المناظر الصخرية بديلاً للغة المكتوبة في أفريقيا

شهدت القارة الإفريقية خلال عصور ما قبل التاريخ انتشاراً سكانياً في معظم أرجائها، وخلال هذه الفترة الطويلة من القارة ترك لنا السكان العديد من مخلفاتهم في ضوء اختلاف مستواهم الحضاري فهناك جماعات استمرت حتى العصور الحديثة لا تعرف إلا جمع الغذاء وصيد الحيوان وأخرى عرفت الرعي ثم الزراعة.

كان المنتج الأساسي عند أصحاب هذه الثقافات هي إنتاج الأدوات الحجرية التي تنوعت أشكالها وأحجامها وتطورت بمرور الوقت وكان المنتج الآخر هو المناظر الصخرية التي رسمت أو نقشت على الصخور أو الأرض الصخرية، وبإستثناء حضارات وادي النيل وإثيوبيا وشمال إفريقيا التي عرفت اللغة المكتوبة فإن غالبية الشعوب الإفريقية الأخرى لم تووصل خلال تاريخها الطويل للغة المكتوبة.

المناظر الصخرية بديلاً للغة المكتوبة في أفريقيا
المناظر الصخرية بديلاً للغة المكتوبة في أفريقيا

وإذا كان الانسان يميل دائماً إلى التعبير عن مشاعره وأحاسيسه وتسجيل بعضاً من جوانب حياته، فإن عدم وجود اللغة المكتوبة جعلته يبحث عن البديل لذلك لقد وجد سكان إفريقيا القدامى في عصور ما قبل التاريخ أن الرسم على الصخر هو الملاذ لحل هذه المشكلة. وإذا نظرنا إلى توزيعات المناظر الصخرية فنجدها قد انتشرت في معظم أرجاء القارة لأنه يندر أن نجد ثقافة ما لم تتخذ من الرسم وسيلة لتسجيل انطباعاتهم.

لقد سجلت المناظر الصخرية حياة السكان البسطاء من حيث أماكن إقامتهم وبخاصة الأكواخ وأساليب صيد الأسماك وكذلك الحيوانات كبيرة الحجم التي عُرفت في ذلك الوقت وكذلك عملية التنكر ودبغ الجلود وجمع عسل النحل والصراعات المسلحة والحياة الخاصة للسكان، كما صورت الأردية وملابسهم والحلى وغيرها. إذا كانت هذه الموضوعات تتعلق بالأمور المادية فإن المناظر الصخرية قد تطرقت أيضاً للمعنويات حيث تصور بعضاً من الطقوس والعقائد.

لقد وفرت المناظر الصخرية جانباً كبيراً من معلوماتنا عن سكان إفريقيا خلال عصور ما قبل التاريخ وبخاصة حين تختفي المصادر الأخرى لأن سكان القارة في ذلك الوقت كانت منتجاتهم الثقافية بسيطة تتناسب مع مستوى المعيشة، وحين وفرت المناظر الصخرثية هذا الكم من المعلومات الأمر الذي دفع البعض إلى تسميتها ب ” كتاب الصحراء المفتوح “.

إن هذه الورقه تحاول أن توضح إلى أي مدى نجحت المناظر الصخرية في التعبير عن الجوانب المختلفة لسكان إفريقيا القدامى الذين لم يعرفوا اللغة المكتوبة، فهل نجحت هذه المناظر كي تكون بديلاً عن اللغة المكتوبة.

د. حندوقه إبراهيم[1]

[1] أستاذ مساعد بقسم التاريخ معهد البحوث والدراسات الإفريقية

قد يعجبك ايضا
اترك رد

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد