جـذور العلاقات الحبشية – اليهودية وأثرها على مصالح مصر المائية

جـذور العلاقات الحبشية – اليهودية وأثرها على مصالح مصر المائية

مقدمة

        تتناول هذه “الورقة البحثية” العلاقات التاريخية الخاصة التى تجمع أثيوبيا واليهود منذ أقدم العصور ، ويرجعها الأثيوبيون – ذاتهم – إلى نحو القرن 10 ق.م. وهى علاقات قرابية قديمة ، فالأثيوبيون يقولون إنهم من نسل الملك سليمان بن داود الذى ارتقى عرش مملكة إسرائيل حوالى سنة 970  ق.م ، فهم أحفاد منليك الأول ، الذى أنجبه سليمان من ملكة سبأ التى وردت قصتها فى الكتب المقدسة. وقد ارتقى منليك العرش فى بلاد الحبشة بعد أمه ملكة سبأ ، واعتنق الأحباش فى أيامه الديانة اليهودية ، ومن ثم ارتبطوا باليهود برباط قرابى ودينى قوى ، اشتدت عراه ووشائجه بمرور الزمن.

       وقد ارتقى عرش الحبشة من نسل منليك الأول ملوك “الأسرة السليمانية” ذات الأصول الإسرائيلية ، فكانوا يتفاخرون بأنهم أحفاد ملك إسرائيل ، وكان ذلك النسب مصدر شرف لهم. وكانت علاقة مصر بملوك هذه الأسرة غير مستقرة ، يغلب عليها التوتر فى غالب الأحيان ، وكان ملوك الحبشة يهددون سلاطين مصر بمنع ماء النيل عن الجريان إلى بلادهم حتى يجوع المصريون ، ويحل الجفاف بأرضهم. وربما كان ذلك بوازع من أصولهم اليهودية ، ونحن نعرف ما يحمله اليهود من كراهية للمصريين ، فمصر حسب النظرة التوراتية هى “أرض العبودية” التى استعبد فيها بنو إسرائيل لما أقاموا بها منذ آلاف السنين.

جـذور العلاقات الحبشية – اليهودية وأثرها على مصالح مصر المائية
جـذور العلاقات الحبشية – اليهودية وأثرها على مصالح مصر المائية

واللافت أنه رغم جذور تلك الأسرة اليهودية ، وانتسابها المباشر لبنى إسرائيل ، إلا أن المصادر التاريخية تتحدث عن اعتناق ملوكها للمسيحية ، بل وكانوا من أشد المتعصبين لها. وكانوا يعدون أنفسهم حماة المسيحيين فى شرق أفريقيا ، وهى إشكالية بها الكثير من الغموض ، مع ما نعرفه من كراهية اليهود الشديدة للمسيحية وأتباعها. ويؤكد الدستور الأثيوبى– ذاته – على ذلك الرباط القرابى القديم الذى يجمع بين الشعبين الأثيوبى واليهودى!

        وتحاول هذه “الورقة البحثية” إماطة اللثام عن جذور تلك العلاقات القديمة ، ومدى تأثيرها على مصالح مصر ، لاسيما ما يخص نهر النيل ، نظرا لاعتماد مصر الدائم على مياه النيل. ولا ريب أن أثيوبيا تمثل لمصر أهمية إستراتيجية كبيرة باعتبارها أهم دول المنابع ، وهى الدولة التى تسهم بنحو 85% من مياه نهر النيل القادمة إلى الأراضى المصرية.

       وتحاول إسرائيل حاليا استغلال علاقتها الخاصة بأثيوبيا بهدف زيادة نفوذها فى دول المنابع لمحاصرة مصر من الجنوب ، كما تعمل على تشجيع أثيوبيا على إقامة مشروعات من شأنها أن تؤثر بشكل سلبى على حصة مصر فى مياه النيل ، وهى تهدف أيضا إلى الاستفادة من مياه النيل لمواجهة الأزمة المائية الحادة التى تعانى منها. وقد وضعت إسرائيل العديد من المخططات لنقل ماء النيل إلى أراضيها لتعمير صحراء النقب. ويجدر بنا الإشارة إلى أن نهر النيل ، حسب الفكر اليهودى ، هو جزء من أرض إسرائيل الكبرى ، أو “إسرائيل التوراتية” التى أعطاها الرب لليهود ، وتمتد هذه الدولة من النيل إلى الفرات. وتدرك أثيوبيا ، على الجانب الآخر، أن إسرائيل هى بوابتها إلى الغرب ، والحصول على مزيد من المساعدات. ولسنا نشك فى أن العلاقات التاريخية بين الأثيوبيين واليهود لعبت دورا كبيرا فى ما تشهده العلاقات الحالية لكل من أثيوبيا وإسرائيل منذ سنة  1948 م ، وهو ما يمثل تهديدا خطيرا لأمن مصر القومى.

       ومن خلال تلك الرؤية التاريخية ، تحاول هذه “الورقة البحثية” مناقشة إشكالية العلاقات الحبشية – اليهودية القديمة ، وجذور ذلك التقارب العضوى والتاريخى الخاص الذى يجمع بينهما ، وأثر ذلك على مصالح مصر المائية. ولن نبالغ إن قلنا إن الحديث عن أثيوبيا وإسرائيل هو بمثابة الحديث عن دولة واحدة ، يقع شطرها فى آسيا (إسرائيل) ، بينما يوجد شطرها الآخر فى أفريقيا (أثيوبيا). وسوف تتناول هذه الورقة ذلك الموضوع الشائك من خلال النقاط والمحاور التالية :

أولا   :  بلاد الحبشة

ثانيـا :  قصة سليمان وملكة سبأ حسب الروايات الحبشية

ثـالثا :  منليك بن سليمان أول ملوك الحبشة

رابعا  :  الأسرة السليمانية اليهودية

خامسا :  تهديد ملوك الأسرة السليمانية بحرمان مصر من ماء النيل!

سادسا :  يهود الفلاشا أو أسباط بنى إسرائيل

سابعا :  الدستور الأثيوبى يؤكد على علاقات أثيوبيا باليهود

ثامنا  :  نهر النيل جزء من حدود دولة إسرائيل التوراتية

تاسعا :  أطماع إسرائيل فى مياه نهر النيل

*****

أولا : بلاد الحبشة

      عرفت أثيوبيا Ethiopia  قديما باسم بلاد الحبشة Abyssinia. واسم أثيوبيا يعنى: ذوى الجلد الأسمر(1). أما اسم الحبشة فيعنى: الذى لا أصل له، أو الشعوب المختلطة (2). بينما يرى البعض أن اسم الحبشة هو لقبيلة عربية قديمة، هاجرت إلى أفريقيا من جنوب بلاد العرب خلال القرنين 10 و7 ق.م، واستقرت شمال الحبشة، ثم غلب اسمها بعدئذ على تلك الأرض(3). وتحدث الجغرافيون القدامى (*) عن حدود الحبشة قديما: “وحده فى المغرب النيل الأعظم، وفى المشرق بحر القلزم، وفى الجنوب بلاد الذهب التى على خط الأستواء”(4). وقد عرفت هذه البلاد أيضا باسم كوش Kush، وهو اسمها فى التوراة، وذكرها به هيرودوت واسترابون وغيرهما(5). وكان ملوك الحبشة يحملون لقب: النجاشى(6). ويطلق البعض على أثيوبيا اسم: سويسرا أفريقيا(7)، لأنها بلاد ذات طبيعة جبلية وموقع حصين، وأعانتها طبيعتها على مقاومة الغزاة مثل سويسرا “فمطرها يمسح الطرق والجيوش”(8). وقد شهـدت أثيوبيا قديما ظهور مملكة أكسومAxum  ، وكانت مملكة مزدهرة، اشتهرت بالتجارة عبر البحر الأحمر(9)، ويحدد البعض قيامها بالقرن الأول الميلادى وحتى القرن 8 م (10).

ـــــــــــ

(1)The  New  American  Desk  Encyclopedia :  New York , 1982 , P.396

(2) د.عزيز سوريال : تـاريخ المسيحية الشرقية، تـرجمة : د. ميخائيل اسكندر، هيئة الكتاب ، 2012م ،  ص 129 Bolous  Massaad  :  L ‘ Ethiopie ,  le Caire , 1936 ,  P.  3

(3) د. كرم الصاوى باز : ممالك النوبة فى العصر المملوكى ، مكتبة الأنجلو المصرية ، القاهرة ،  2006 ، ص 56

(4) الزهرى : كتاب الجغرافية (وما ذكرته الحكماء فيها من العمارة وما فى كل جزء من الغرائب والعجائب) ، تحقيق: محمد حاج صادق، مكثبة الثقافة الدينية، القاهرة، دون تاريخ، ص 123  (5)  P. 3 Massaad : L ‘Ethiopie , B.

(6)  ابن خرداذبة : المسالك والممالك ، مكتبة الثقافة الدينية ، القاهرة ، دون تاريخ ، ص 17

(7)  George Gill :  Student ‘s  Geography , London  , No Date , P. 721

(*)  تبلغ مساحة أثيوبيا مليون و123 ألف كم مربع. وتغطى أكثر أراضيها هضبتان كبيرتان، يفصلهما جزء من الوادى الأخـدودى العظيم. وهى أكثر بلدان أفريقيا ارتفاعا عن سطح البحر، ويبلغ متوسط ارتفاع أراضيها 2400 م (د.عبد الغنى سعـودى: الجغرافيا، مؤسسة الأهرام، 1980م، ص 50). وتضم أثيوبيا حاليا ثلاث مجموعات إثنية: الزنوج البانتو والحاميون والساميون. وينتمى البانتو إلى أفريقيا الإستوائية، ويعيشون فى كـافا وباديتو وسيدامو. ومن الحاميين: الدناكل والصوماليين والجالا Gallas. ويعتنق الدناكل والصوماليون الإسلام. والأمهرية Amharic هى اللغة الرسمية، وهى مشتقة من الجعزية القديمة، والجنس الأمهرى هو الذى يقود نظام الحكم. وللمزيد عن دولة أثيوبيا، انظر:   F.Elliot: A Dictionary of Politics ,Penguin Books ,London ,1961 ,P.11

وكذلك  : 9G.Crowther :  Africa ,  Lonely  Planet , Australia , 1989 , P . 28

  Helen Kitchin: AHandbook of African Affairs, New York, 1964, PP .42 – 43 Massad:  L’Ethiopie ,  P. 25

(8) إميل لـودفيج : النيل حياة نهر، تـرجمة : عـادل زعيـتر، هيئة الكتاب ، القاهـرة ، 1997 م ، ص 183   The New American Desk Encyclopedia  :  P.396   (9)     (10) B. Massad : Op. Cit.P 25

ثانيا : سليمان وملكة سبأ حسب الروايات الحبشية

     ارتبطت أرض الحبشة باليهود منذ القـدم، و ترجع العلاقات التاريخية بين الأحباش واليهود إلى حوالى القرن 10 ق.م ، فالأثيوبيون يعتقدون أنهم أحفاد الملك سليمان (*) وملكة سـبأQueen of  Sheba  التى تذكرها بعض الروايات باسم: بلقيس (1). وقيل كانت تدعى: يلمقة (2). بينما يطلق عليها الأحباش اسم: ماكيدا  Makeda (3). وقيل: ماقـدة (4). وهما اسمان متقاربان، ولعل أحدهما تصحيف للآخر. وتوصف هذه الملكة بأنها “أجمل ملكات أثيوبية، وأشهرهن بالذهب والأحجار الكريمة” (5). ويقال أيضا: “كانت إمرأة فائقة الجمال والحكمة” (6). وقد وردت قصتها فى القرآن والتوراة: “وسمعت ملكة سبأ بخبر سليمان…فلما رأت ملكة سبأ كل حكمة سليمان” (7). غير أن التوراة لم تتحدث البتة عن زواج سليمان منها (**). ويعتقد الأثيوبيون أن أقدم الملوك الذين ارتقـوا عرش بلادهم هو منليك Menelik، ابن سليمان وملكة سـبأ (8). ويفتخر ملوك أثيوبيا عبر العصور بأنهم أحفاد منليك، وهو لهم بمثابة النسب الشريف. وقد قال الأنبا كيرلس Cyril بطريرك أثيوبيا (***) إبان تتويجه هيلاسيلاسى (22 نوفمبر1930م): “أنت أيها الإمبراطور، الذى ينتسب الى أسرة منليك الأول، الذى أنجبه الملك سليمان من ملكة سبأ” (9).

ــــــــــ

(*) الملك سليمان : هو سليمان بن داود (970 – 930 ق.م)، أحد أنبياء بنى إسرائيل، كان ملكا نبيا. يقول المسعودى: “وأعطى الله عز وجل لسليمان عليه السلام من الملك ما لم يعطه لأحد من خلقه، وسخر له الجن والإنس والطير والريح…وكان ملك سليمان بن داود أربعين سنة، وقبض وهو ابن اثنتين وخمسين سنة…” (المسعودى: مروج الذهب ومعادن الجوهر: ج1 ، تحقيق: مصطفى السيد، المكتبة التوفيقية، القاهرة، 2003م، ص 58)

(**) ملكة سبأ : تذكر بعض الروايات الإسلامية أن النبى سليمان عليه السلام تزوج الملكة بلقيس (أبوحنيفة الدينورى: الأخبار الطوال، تحقيق : عبد المنعم عامر، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، 2010 م، ص 21). بينما تذكر روايات أخر أنه لم يتزوجها ، بل الذى تزوجها هو ذو تبع ملك همدان (ابن خلدون، العبر وديوان المبتدأ والخبر، ج2،  تقديم: د. عبادة كحيلة، الهيئة العامة لقصور الثقافة، سلسلة الذخائر، القاهرة، 2007 م، ص 98 – 99).

(1) اليعقوبى : تاريخ اليعقوبى ، ج1، تحقيق: خليل المنصور، دار الكتب العلمية، بيروت، 2002م ، ص 54 ،  وللمزيد انظر : ابن كثير: قصص الأنبياء ، تحقيق : حمدى الدمرداش ، مكتبة نزار مصطفى، الرياض ، 2004م، ص349، الثعلبى: قصص الأنبياء، مكتبة الايمان، المنصورة، دون تاريـخ، ص 352، ابن الأثير: الكامل فى التاريخ، ج 1، تحقيق: خيرى سعيد، المكتبة التوفيقية، القاهرة، دون تاريخ، ص 177، ابن طاهر المقدسى: البدء والتاريخ ، تحقيق: كليمان هوار، تقديم: د. محمود إسماعيل، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2010، ص 107.

(2)  ابن جرير الطبرى: تاريخ الأمم والملوك، تحقيق: مصطفى السيد، المكتبة التوفيقية، دون تاريخ، ص 281     (3) B. Massaad :  L ‘ Ethiopie ,  le Caire , 1936 ,  P. 58

(4)  د. حندوقـة إبراهيم فرج : الحضارات الأفـريقية القـديمة وآثـارها ، القاهرة ، 2002م ، ص 198

(5)  إميل لـودفيج : النيل حياة نهر، ص 183    (6) (سفر الملوك الأول –  10)

(7)  محمد إمام فانتا : أثيوبيا بين الأمس واليوم ، مكتبة النهضة المصرية ، 2007م ، ص 18

Carveth Wells : Introducing Africa , New York , No Date , P. 124  (8) , P. 12 4  (9 Ibid

        وتأكيدا لهذا النسب ، كان أباطرة أثيوبيا يحملون لقب : “الأسد الظافر لسبط يهوذا” (1). وكذلك : “الخارج من سبط يهوذا المختار من الله” (2). ويهوذا هو ابن يعقوب (إسرائيل) بن إسحاق بن إبراهيم عليه السلام ، وهو جد اليهود ، وهم ينسبون إليه. وهو ما يعضد فكرة الرباط الدينى والقرابى المتين الذي يجمع الشعبين الأثيوبي واليهودى. يقول ب. ماساد : “وحسب الأسطورة الأثيوبية ، فإن ماكيدا (ملكة سـبأ) انبهرت بملك سليمان ، ثم ذهبت إلى أورشليم ، واعتنقت اليهودية ، وأنجبت لسليمان ابنا يدعـى منليك ابن الحكيم” (3).

ثالثا : منليك بن سليمان : أول ملوك الحبشة

      وتصف الروايات الحبشية منليك بن سليمان بأنه كان “باهر الجمال”(4). ويروى أن منليك زار أباه فى أورشليم ، ومن ثم توج هناك ، وصار بعدئذ ملكا على بلاد الحبشة. ويقال إن سليمان قال لابنه إبان تتويجه: “مرحبا بك يا بنى الحبيب، أنت ابن داود”، ثم وضع تاج مملكة إسرائيل على رأس منليك(5). ثم نفخ حاملو الأبواق، وقال الحاضرون: “هذا داود (منليك) بن سليمان بن داود ملك إسرائيل”(6). وتذكر الروايات أن منليك قدم إلى بلاده حاملا نسخا من كتب اليهود المقدسة، وكان معه عدد كبير من اليهود قادمين من مملكة إسرائيل ، وعلى رأسهم أزارياس Azaraias، ابن صادوقZadok   كاهن أورشليم الأكبر، ثم عاش هؤلاء اليهود فى أكسوم. كما نقل منليك أيضا تاج جده الملك داود (*) David (7) ، تأكيدا على أنه وريث ملك إسرائيل فى الحبشة. يقول إميل لودفيج: “وعاد مثقلا بالهدايا من أسباط بنى إسرائيل الإثنى عشر، وصحب معه مقاتلة (**) وكهنة لتعليم الأحباش دين اليهود” (8).

ــــــــــ

(1)  Carveth Wells :  Introducing Africa  , P. 124

(2)  د. زاهر رياض : تاريخ أثيوبيا ، مكتبة الإنجلو المصرية ، القاهرة ، 1966 م ، ص 74

 Massaad  :  L ‘ Ethiopie ,  Op. Cit , P. 58   (3) B.  (4)  إميل لودفيج : النيل حياة نهر ، ص 184

(5)  د. زاهر رياض: تاريخ أثيوبيا ، مرجع سابق ، ص 29  (6) المرجع السابق ، ص 30

(*)  الملك داود: هو أحد انبياء بنى إسرائيل ، اسمه: داود بن إيشا من ولد يهوذا بن يعقوب ، أعطاه الله النبوة بعد شمويل (صمويل) بن هلقانا ، وصار ملكا بعد طالوت “فاجتمع له الملك والنبوة” (ابن طاهر المقدسى: البدء والتاريخ ، ج3، مصدر سابق، ص 100– 101). يقول المسعودى: “وآلان الله عز وجل لداود الحديد ، فعمل منه الدروع ، وسخر له الجبال والطير يسبحن معه” (المسعودى: مروج الذهب ، ج1، مصدر سابق ، ص56). وقد أعطى الله داود كتاب الزبور وصوتا رائعا لامثيل له ، وكان تسبح معه الطيور والأشجار والحيوانات. قال ابن الأثير: “فلما ملك داود بنى إسرائيل جعله الله نبيا وملكا، وأنزل عليه الزبور، وعلمه صنعة الدروع…وأمر الجبال والطير يسبحون معه إذا سبح ، ولم يعط الله أحدا مثل صوته، وكان إذا قرأ الزبور تدنوا الوحوش حتى يأخذ بأعناقها، وإنها لمصيخة تسمع صوته…وفى ملكه مسخ أهل إيلة قردة” (ابن الأثير ، الكامل فى التاريخ ، ج1، مصدر سابق ، ص171)

(**) مقاتلة: أى عاد مع منليك جنود من مملكة إسرائيل، ربما إشارة الى أن الحبشة صارت جزءا من مملكة إسرائيل.

(7) 58 Massaad : L ‘ Ethiopie ,  Op. Cit ,  P.  (8) إميل لودفيج : النيل حياة نهر ، مرجع سابق ،  ص 184

       وتذكر الروايات الحبشية أيضا أن منليك حمل معه إلى بلاده “تابوت العهد” Ark of Covenant (*) الذى صنعه النبى موسى إبان خروج بنى إسرائيل من مصر، وكان فى هذا التابوت الألواح التى دونت عليها وصايا الرب لموسى على جبل سيناء (**). وتذكر الروايات أن التابوت اختفى ، وأنكر منليك أنه سرقه من مملكة إسرائيل ، ولكنه اتهم كهنة اليهود الذين جاءوا معه من أورشليم بذلك (1). وحسب الروايات (***)، فإن الملك سليمان لم يتمكن من إعادة التابوت الأصلي ، ولهذا أمر أحد العمال المهرة بأن يصنع تابوتا آخر يشبه الأصلى ، وكذلك ألواحا كتلك التى كانت فى التابوت حتى لا يعلم بنو إسرائيل بهذا الأمر (2).

       وتأكيدا من الأثيوبيين على صحة تلك الأحداث التاريخية ، قاموا بتصويرها كما وردت فى رواياتهم القديمة على جدران معابد وكنائس بلادهم. يقول إميل لودفيج : “وتمسك الأحباش بأحدوثتهم ، وصوروها على جدر كنائسهم ، وتنسخ هذه الصور فى باريس ولندن رسوما شعبية” (3). وكان هذا النسب القديم بين الأثيوبيين واليهود مصدر فخر لهم ولملوكهم عبر التاريخ ، فكان الإمبراطور تيودور Theodore ، إبان القرن 19 م ، يتباهى بأنه من نسل الملك سليمان ملك بنى إسرائيل (4). ويقول أحد المؤرخين : “إن أسطورة ملكة سبأ تمثل الأساس الذى تقوم عليه الحياة السياسية فى أثيوبيا” (5).

ــــــــــ

(*) تابوت العهد: هو من أكثر الأشياء قداسة عند اليهود ، فهو يعبر عن النزعة الحلولية ، فكان بنو إسرائيل يتصورون أن روح الرب يهوه تحل فى هذا التابوت المقدس، وكان كهنة اليهود يحملونه فى كل المعارك على أعمدة طويلة كرمز لوجود يهوه معهم فى حروبهم، وحتى يمنحهم النصر على أعدائهم (د. عبدالوهاب المسيرى: موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية، ج1، دار الشروق، 2006، ص 409). وقد أمر الرب موسى أن يصنع هذا التابوت من خشب السنط المتين، وكان التابوت مغشى بالذهب النقى من الداخل والخارج، وكانت له أربع حلقات ذهبية على قوائمه الأربعة (نجيب جرجس: سفر الخروج، القاهرة، 2002م، ص 201)  (1) إميل لودفيج : النيل ، ص 184

(**) جبل موسى : يعرف فى التوراة باسم جبل حوريب ، وكذلك جبل الرب ، وذكره القرآن الكريم باسم جبل الطور، أو الطور، أو طور سينين، وكذلك طور سيناء. (***) يقول إميل لودفيج : “ويؤكد منليك فيما بعد أن كهانه سرقوها من غير أن يعلم ذلك متبعا فى تصريحه سنة ما يفعله الملوك فى مثل هذه الأحوال. ومهما يكن الأمر فقد تذرع سليمان بالحكمة، فأمر الحبر الأكبر بأن يلزم جانب الصمت، وتعقب القافلة بنفسه على غير جدوى، فقد حفظت الملائة اللصوص كدأبهم فى ذلك الزمن. فجاوز اللصوص البحر الأحمر بأنفاق وبلغوا القصر الملكى، ويوفق سليمان لصنع مثل تلك الأواح مستعينا بعامل ماهر،فلا يعرف عبرى أنه يعبد تابوت عهد كاذب” (إميل لودفيج ، ص 184).           (2)  إميل لودفيج : مرجع سابق ، ص 184      (3) المرجع السابق ، ص 187

(4)   Alan  Moorehead : The Blue Nile , London , 1967 , P. 21

(5) 58Massaad : L ‘ Ethiopie , P

رابعا : الأسرة السليمانية اليهودية

       وحسب الروايات ، صار منليك مؤسسا لأول أسرة ملكية فى تاريخ بلاد الحبشة ، وهى التى تعرف باسم “الأسرة السليمانية”.Salomonian Dynasty  وهى أسرة تنتسب إلى سليمان ملك بنى إسرائيل ، فهم أحفاد ابنه منليك الأول ، ويعرف بذلك تمييزا له عن الملوك الآخرين الذين حكموا أثيوبيا بذات الاسم من بعده ، ولعل أهمهم : منليك الثانى (*) Menelik II. ولأن منليك بن سليمان هو أول ملك فى تاريخ أثيوبيا ، فإن الأثيوبيين يبدأون تاريخهم بصعوده إلى العرش. تقول “الموسوعة الأمريكية” : “يزعم الملوك السابقون لأثيوبيا بأنهم من نسل الملك سليمان وملكة سبأ” (1).

     وقد ارتقى منليك الأول عرش مملكة الحبشة بعد موت أمه الملكة ماكيدا ، حوالى سنة 955 ق.م (2). ويذكر بعض المؤرخين أن منليك حكم الحبشة بعد 9 سنوات من عودته من إسرائيل ، وبعد أن توج فى هيكل أورشليم (**) .Temple of Jerusalem وقد توج منليك على عرش الحبشة باسم داود، وذلك وفاءا لذكرى جده الملك داود ملك إسرائيل (3). وتذكر الروايات أن منليك الأول حكم تلك المملكة مدة 25 سنة (4). وحسب التقاليد الحبشية ، يوجد كتاب قديم يعرف باسم “مجد الملوك” (كيبرا ناجاست) Kebra Nagast  يتحدث عن قصة منليك بن سليمان وحكمه للحبشة ، ويؤكد أنها قصة حقيقية ، ولا تقبل جدلا (5).

 (*) منليك الثانى: Menelik II، هو أحد أهم ملوك الحبشة، ولد سنة 1844م، ثم صار إمبراطورا على بلاده 1889م ، وهو يعد مؤسس دولة أثيوبيا الحديثة، وهو الذى استطاع توحيد الأراضى الأثيوبية تحت حكمه، ثم تمكن من توسعة نفوذها وممتلكاتها على حساب الأراضى المجاورة لها، ولهذا يعرف باسم: منليك العظيم. وقد حقق انتصارا عسكريا كبيرا على إيطاليا فى معركة عدوة فى 1896مThe New American Desk  Encyclopedia : P. 654 ) )

The New American Desk Encyclopedia : P. 396 (1)  (2) 80 Massaad :L ‘ Ethiopie , Op. Cit , P

(**) هيكل أورشليم : يعرف أيضا باسم هيكل سليمان ، وهو “الهيكل الأول” الذى أقامه الملك سليمان فى أورشليم حوالى سنة 966 ق.م ، وهو يعرف أيضا باسم : الهيكل الأول ، وعن بناء هذا الهيكل ، تقو التوراة : “وكان فى سنة الأربع مائة والثمانين لخروج بنى اسرائيل من أرض مصر فى السنة الرابعة لملك سليمان على اسرائيل…أنه بنى البيت للرب. والبيت الذى بناه سليمان للرب طوله ستون ذراعاوعرضه عشرون ذراعا وسمكه ثلاثون ذراعاحسب عرض البيت…” (سفر الملوك الأول – 6). وقد استغرق بنا هذا الهيكل نحو 7 سنوات ، وشيد هذا الهيكل على جبل الموريا ، وهو أحد تلال أورشليم (إلن هوايت : الأنبياء والملوك ، ترجمة : إسحاق فرج ، القاهرة ، 2003 م). وقد دمر هذا الهيكل فى سنة 587 ق.م على يد الملك البابلى نبوخذ نصر بعد أن أسقط مملكة يهوذا ، وأحرق عاصمتها أورشليم ، ثم سبى اليهود الى بابل ، وهى الفترة التى تعرف باسم السبى البابلى. ولما عاد اليهود من السبى أيام الملك الفارسى كورش سنة 538 ق.م ، أعادوا بناء هذا الهيكل ، وهو المعروف باسم : “الهيكل الثانى”. وتم توسعة هذا الهيكل أيام الملك هيرودس (20 – 16 ق.م) ، وينتظر اليهود حاليا نزول ما يسمى عندهم بالماشيح المخلص حتى يقيم لهم مملكة إسرائيل الكبرى التى تحكم العالم أو المملكة الألفية التى تدوم ألف سنة ، ثم يشيد لهم الماشيح “الهيكل الثالث”.

(3)  80 Massaad  ,  L ‘ Ethiopie ,  Op. Cit , P.       (4)  Ibid . P. 80

(5) د. حمدى عبد الرحمن : مصر وتحديات التدخل الدولى فى أفريقيا، هيئة الكتاب ، 2012م ، ص 130

        وتزعم الوثائق الحبشية أن حكم “الأسرة السليمانية” ذات الأصول اليهودية دام نحو 29  قرنا من الزمان ، وقد مرت الحقبة التى ازدهرت فيها هذه الأسرة بثلاث فترات متباينة ومنفصلة (*) ، إما بسبب ظروف داخلية ، أو لداعى انتقال الحكم إلى أسرة أخرى بشكل مؤقت (1). ويرى إميل لودفيج أن هذه الأسرة حكمت الحبشة لمدة ستة عشرة قرنا من الزمان ، فيما بين سنة 800 ق.م وسنة 800 م (2). ويذكر المقريزى (**) أن ملوك هذه الأسرة كانوا يعرفون باسم : الحطى ، وهو اسم يعنى بالحبشية : السلطان (3). وعن حدود مملكة الحبشة خلال حكم الأسرة السليمانية فى أيامه ، يقول المقريزى : “اعلم أن بلاد الحبشة أولها من جهة المشرق المائل إلى جهة الشمال بحر الهند ، المار من باب المندب إلى بلاد اليمن ، وفيها يمر نهر حلو يقال له : سيحون ، يرفد نيل مصر ، وجهة الحبشة الغربية تنتهى إلى بلاد التكرور مما يلى جهة اليمن ، وأولها مغازة مكان يسمى وادى بركة يتوصل منه إلى سحرت. وكانت مدينة المملكة فى القديم ، يقال لها: أخشوم (***)” (4).

        ويبدأ حكم “الأسرة السليمانية” فى سنة 669 هـ (1270 م) باعتلاء الملك “يكونو أملاك” عرش الحبشة ، وذلك بعد فترة عم فيها الاضطراب بلاد الحبشة حتى تحولت الأوضاع إلى حرب أهلية. وفى أيام الملك يكونو أملاك ، تمت المصالحة بينه وبين بطريرك الكنيسة الحبشية. وقد سعى هذا الملك إلى إقامة علاقات طيبة مع مصر ، فأرسل فى سنة 673 هـ (1274 م) رسالة إلى السلطان الظاهر بيبرس يطلب وساطته ، كما طلب منه إرسال مطران لكنيسة الحبشة الأرثوذكسية ، على إعتبار أن كنيسة بلاده تتبع روحيا وعقائديا الكنيسة القبطية المصرية ، باعتبارها الكنيسة الأم (5).

ــــــــــ

(*)  أما الفترة الأولى : وهى تبدأ بحكم الملك منليك الأول بن سليمان ، وتنتهى تلك الفترة مع دخول المسيحية إلى بلاد الحبشة حوالى سنة 341 م. أما الفترة الثانية : فهى التى تمتد من تحول بلاد الحبشة رسميا إلى لمسيحية ، وحتى نهاية حكم الزكاوات سنة 1331م (732 هـ). بينما الفترة الثالثة : وهى التى تمتد من سنة 1331م حتى يومنا هذا.      (1) 81 – 80 Massaad  , P.

(**) عاش تقى الدين أحمد بن على المقريزى أيام دولة المماليك بمصر فى الفترة (766 – 845 هـ) ، وهى ذات الحقبة التى كانت تحكم خلالها “الأسرة السليمانية” فى بلاد الحبشة ، ولذلك تعد كتابات المقريزى من أهم الكتابات التاريخية التى تحدثت عن تلك الأسرة الحبشية.

(2) إميل لودفيج : النيل حياة نهر ، مرجع سابق ، ص 187

(3)  المقريزى : الإلمام بأخبار من بأرض الحبشة من ملوك الإسلام (رسائل المقريزى) ، تحقيق : رمضان البدرى ، وأحمد مصطفى قاسم ، دار الحديث ، القاهرة ، 2006 م ، ص 231

(***)  أخشوم : هو تصحيف لاسم : أكسوم ، وهو الاسم المعروف لهذه المملكة الحبشية القديمة.

(4)  المصدر السابق ، ص  231    (5) د. قاسم عبده قاسم : العرب فى أفريقيا (الجذور التاريخية والواقع المعاصر) ، دار الثقافة العربية ، القاهرة ، 1987 م ، ص 66

خامسا : تهديد ملوك الأسرة السليمانية بحرمان مصر من ماء النيل!

       ورغم الأصول اليهودية التى لا تخفى على أحد لملوك الأسرة السليمانية ، وهم ذاتهم يتفاخرون بنسبهم الإسرائيلى ، وأنهم أحفاد منليك بن سليمان ، إلا أن المصادر التاريخية تتحدث عنهم كمسيحيين ، وليسوا يهودا ، كما أنهم جعلوا أنفسهم بمثابة حماة المسيحية فى أفريقيا. ولعل اعتناق ملوك تلك الأسرة للمسيحية من الأمور التى يحيط بها غموض كبير ، لاسيما مع ما يعرف من عداوة اليهود للمسيحيين ، ولذا يجب معرفة سر ذلك التحول الكبير لملوك هذه الأسرة إن كان قد حدث بالفعل ، لأنه ليس من اليسير أن يتحول اليهودى إلى المسيحية ، وخاصة مع اعتزازه بأصله اليهودي. واللافت أنهم أظهروا تعصبا شديدا للمسيحية، خاصة لمذهب الطبيعة الواحدة (*) الذى كانت تعتنقه الكنيسة الأثيوبية آنذاك ، حتى قال عنهم المقريزى: “وهم يتشددون فى ديانتهم ، ويعادون من خالفهم من سائر الملل أشد عداوة ، ويعادون الطائفة الملكية من النصارى ، بحيث أخبرنى من دخل منهم إلى بلاد الحبشة أنه أظهر بها أنه يعقوبى خوفا من القتل لو علموا أنه ملكى” (1).

     وكثيرا ما كان ملوك هذه الأسرة يهددون سلاطين مصر بمنع ماء النيل عن الجريان إلى بلادهم ، لأن مملكة الحبشة هى التى ينبع منها نهر النيل، وذلك فى حالة حدوث توتر فى العلاقات بينهم وبين حكام مصر لأى سبب ، كما كانوا يهددون بذات الأمر إذا نقلت إليهم أخبار عن أى اضطهاد يقع لمسيحيي مصر ، فهم يعدون أنفسهم حماة العقيدة المسيحية. ففى سنة 726 هـ ، بعث نجاشى الحبشة  “عمدا صهيون”  برسالة إلى السلطان الناصر محمد بن قلاوون يعبر له عن غضبه الشديد لما وقع للمسيحيين بمصر من اضطهاد ، وهدم كنائسهم. وقد هدد الملك الحبشي بأنه سوف يقوم بسد مجرى النيل حتى لا يأتى الماء إلى مصر ، ومن ثم يضرب الجفاف بلاده ، ويجوع شعبه ، لأنه أساء لأقباط مصر. ويقال إن السلطان بيبرس أبدى سخرية شديدة من تهديد ملك الحبشة ، كما حاول الضغط عليه عن طريق بطريرك الإسكندرية لما له من مكانة روحية فى قلوب الأحباش (2).

ـــــــــ

(*)  المذهب اليعقوبى : هو المذهب المونوفيزيقى ، أو “مذهب الطبيعة الواحدة” الذى يؤمن أتباعه بأن المسيح كانت  له طبيعة واحدة ، وهى “الطبيعة الإلهية” (اللاهوت) ، ولم يكن له طبيعة بشرية (الناسوت). وقد أخذت الكنيسة المصرية بهذا المذهب ، وتبعتها فى ذلك كنيسة الحبشة ، باعتبارها تتبع روحيا الكنيسة المصرية. بينما اعتنق الامبراطور وكنيسة القسطنطينية والكنائس الغربية المذهب الآخر ، وهو “مذهب الطبيعتين” الذى يرى أن المسيح كانت له طبيعتان ، إحداهما إلهية والأخرى طبيعة بشرية. ولأن مذهب الطبيعتين هو المذهب الرسمى للامبراطورية الرومانية ، فصار يعرف باسم “المذهب الملكانى” ، أى الذى يعتنقه الملك ، وهو امبراطور روما.

(1)  المقريزى ، الإلمام بأخبار من بأرض الحبشة من ملوك الإسلام ، مصدر سابق ، ص 232

(2)  د. قاسم عبده قاسم: العرب فى أفريقيا (الجذور التاريخية والواقع المعاصر)، دار الثقافة العربية، 1987م، ص67

      كما تتحدث المصادر التاريخية عن مراسلات تم تبادلها بين نجاشى الحبشة  “داود بن سيف أرعد” من ذات الأسرة والسلطان برقوق. وتذكر الوثيقة أن ملك الحبشة أراد تحسين علاقات بلاده بمصر ، وأكد أن أى أخبار تصل إلى سلطان مصر عن اضطهاده للمسلمين فى بلاده بأنها مجرد افتراءات وأكاذيب ، كما أنه أمر قومه بصرف المياه الزائدة عن نهر النيل حتى لا تصل تلك المياه إلى مصر ، وهو ما يؤدى إلى غرق الأراضى المصرية! (1). ولعل هذه الرسالة تكون من الأمور الطريفة التى تتحدث عن اهتمام أحد ملوك الحبشة بألا يقع أذى بمصر بسبب حدوث زيادة كبيرة فى منسوب النيل ، وهو ما يضر مصر وشعبها.

       وفى سنة 847 هـ (1443 م) أرسل النجاشى “زرعا يعقوب” سفارة إلى مصر تحمل رسالة بها تهديد صريح لسلطان مصر بشأن نهر النيل ، ومما جاء بها : “….وليس يخفى عليكم ولا على سلطانكم أن بحر النيل ينجر إليكم من بلادنا ، ولنا الاستطاعة على أن نمنع الزيادة التى تروى بها بلادكم من المشى إليكم ، لأن لنا بلادنا انفتح لها أماكن فوقانية ينصرف فيها إلى أماكن أخرى ، قبل أن يجىء إليكم ، ولا يمنعنا من ذلك إلا تقوى الله ، والشفقة على عباده” (2). وهى رسالة أخرى لا تخلو أيضا من طرفة وتناقض فى ذات الوقت ، وهو ما يبدو جليا فى أقوال ملك الحبشة ، فهو رغم أنه يحاول اظهار رغبته فى تحسين علاقات بلاده بمصر، لكنه ضمن ذلك بتهديد لسلطان مصر، وحرمان شعبها من مياه نهر النيل.

       وفى أيام النجاشى  “يعقوب بن داود بن سيف أرعد” ، قدمت إلى مصر سفارة حبشية فى سنة 847 هـ ، تحمل رسالة بها تهديد بقطع مياه النيل عن مصر ، وطلب فيها ملك الحبشة سلطان مصر أن يحسن تعامله مع نصارى مصر (3). وهكذا صارت العلاقات المصرية – الحبشية فى أيام “الأسرة السليمانية” فى شد وجذب ، وحاول ملوك الحبشة استغلال ورقة ماء النيل وأهمية النهر لمصر للضغط على ملوكها ، وتهديد شعبها بمنع جريان النيل  إلى بلادهم. واللافت أن ملوك الحبشة حاولوا استغلال ورقة الأقباط ، رغم أنهم غالوا بشدة فى اضطهاد مسلمي الحبشة ، وقاموا بالكثير من أعمال البطش والاساءة إليهم (*) ، لذا قال المقريزى عن الملك الحبشى إسحق بن داود ، وما فعله بالمسلمين فى بلاده : “فأوقع من تحت يده فى ممالك الحبشة من المسلمين وقائع شنيعة طويلة ، قتل فيها وسبى ، واسترق عالما لا يحصيه إلا خالقه سبحانه وتعالى” (4).

ـــــــــــ

  • د. قاسم عبده قاسم ، مرجع سابق ، ص 69
  • المرجع السابق ، ص 71 (3) المرجع السابق ، ص 71

(*) كما يقول المقريزى عن أحد ملوكهم ومدى كراهيتهم للمسلمين فى الحبشة : “وقد استطال الحطى ، وجمع عليه نحو مائة أمير ، وعزم على ألا يبقى بالحبشة مسلما…” (المقريزى ، الإلمام ، ص 243)

  • المقريزى : الإلمام بأخبار من بأرض الحبشة من ملوك الإسلام ، مرجع سابق ، ص 233

         وعن سياسة ملوك الأسرة السليمانية السلبية تجاه مصر من خلال استغلال قضيتى ماء نهر النيل والأقباط ، يقول د. قاسم عبده قاسم : “وقد سلك ملوك الحبشة طرقا أربع لصالح الأقباط ، أولها : التهديد باغلاق منابع النيل الأزرق لمنع مياه الفيضان من الوصول إلى مصر ، وثانيها : شن الحملات الانتقامية على مسلمى الحبشة ، وثالثها : ارسال السفارات الودية المحملة بالهدايا إلى سلاطين المماليك ، ورابعها : محاولة التحالف مع القوى الأوروبية ضد مصر” (1). هكذا، كان ماء النيل دوما ورقة ضغط يحاول ملوك الحبشة استغلالها ضد مصر، ومحاولة استفزاز حكامها ، وتهديدهم بمنع الماء عن بلادهم ، وتجويع شعبهم (*).

 

سادسا : يهود الفلاشا أو أسباط بيت إسرائيل

       ويعيش فى أثيوبيا منذ حقبة بعيدة طائفة يهودية تعرف باسم ” الفلاشا ” أو “الفلاشاه” ، وهم يدينون باليهودية فيما يقال. وكلمة “فلاشا” تعنى : “المنفيين” أو “الغرباء” (2). كما يعرفون أيضا باسم “الفلاشاه مورا” أى “المنفيين الأغيار” ، وهى تسمية تميز اليهود من الفلاشا عن الذين تنصروا منهم على يد المبشرين المسيحيين (3). ويعتقد أن اسم الفلاشا يعنى بالأثيوبية : “المهاجر” ، وكلمة فلاشا هى الصيغة الأمهرية للكلمة الجعزية “فالاشى” ، وجمعها “فالاشيان” ، فى حين يطلق عليهم فى منطقة ولقائيت وكذلك فى منطقة ثيفادية اسم فقراء (4). ويفضل يهود الفلاشا استخدام كلمة “سبط” أو “بيت اسرائيل”  للاشارة لأنفسهم أكثر من اسم “الفلاشا” ذاته ، وذلك لتأكيد ارتباطهم باليهود القدماء أو أجدادهم من بنى إسرائيل ، وهم يتركزون فى مدينة “جوندار” (**) Gondar  ، وهى تقع شمال أديس أبابا (***) (5).

ــــــــــ

(1) د. قاسم عبده قاسم ، مرجع سابق ، ص 78

(*) وما أشبه الليل بالبارحة من تهديد أثيوبيا لمصر حاليا فى حقوقها من ماء النيل باعتبارها دولة المنبع

(2) د. عبد الوهاب المسـيرى، موسوعة اليهـود واليهودية والصهيونية ، الجزء الأول، مكتبة الشروق ،  ص 93

(3)   المرجع السابق ، ص 93

(4)   د. عبد العزيز شـاهين ، الصراع القبلى والسياسـى فى مجتمعات حـوض النيل ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ،  ص 296   (5)   المرجع السابق ، ص  296

(**) جوندار : وهى مدينة أثيوبية تقع على بعد 400 كم شمال العاصمة الأثيوبية أديس أبابا (**) ، وكانت مدينة جوندار إبان القرنين  17 م  و18 م عاصمة الحبشة (Crowther , Africa , P.  295  ).

(***) أديس أبابا : وهى عاصمة أثيوبيا ، وهى تعنى : الزهرة الجديدة ، وتل أبيب (عاصمة إسرائيل) تعنى : تل الربيع الذى يرتبط بالزهور ، بل يوجد تشابه لا يخفى على أحد فى أصل التسمية بين المدينتين ، لاسيما فى الكلمة الثانية : أبابا وأبيب التى تعطي أحدهما معنى الزهور والأخرى معنى الربيع ، مع وجود تشابه فى اللفظ بينهما ، وكأن من بنى المدينتين أراد شبه وربطا بين كلتيهما!!

        ويمثل الفلاشا جانبا آخر من جوانب الارتباط الروحى والقرابى الوثيق بين الأثيوبيين واليهود ، فالفلاشا يقال أنهم ينتسبون إلى القبائل اليهودية الأولى التى احتلت هذه البلاد واستعمرتها منذ أقدم العصور (1). هذا رغم أن الكثيرين يرتابون فى يهودية هؤلاء الفلاشا ، ويعتقدون ليسوا يهودا (*). وقد ادعت الحركة الصهيونية بأن الفلاشا ينحدرون من سبط دان Tribe of Dan اليهودية ، وهو دان بن يعقوب أحد أسباط بنى إسرائيل الإثنى عشر. وتذكر الأساطير اليهودية بأنهم ضلوا وتاهوا فى البرية ، ثم وصل سبط دان الى الحبشة ، وسكنوها بعدئذ (2). ومن نسل هؤلاء جاء يهود الفلاشا. يقول د.عبد العزيز شاهين: “وأضافت الأساطير اليهودية بأن الفلاشا من سلالة مانيلك (منليك) الذى أنجبته ماكيدا ملكة سبأ من سليمان ، وذلك بعد لقائهما بمدينة القدس. وبعد أن تربع مانيلك على العرش ذهب الى القدس والتقى بأبيه سليمان الذى أمر بعض رجال حاشيته بمرافقة مانيلك حتى يصل الى مملكة أكسوم”(3). واللافت أن يهود الفلاشا ، رغم الزعم باعتناقهم اليهودية، غير أنهم يقومون بالكثير من العادات والتقاليد المسيحية ، حيث يعيش بعض القساوسة من طائفتهم فى الأديرة رهبانا وراهبات على النمط والتقاليد المسيحية ، وهؤلاء يعرفون باسم “ناذير” أى : “الذى ينذر نفسه للشعائر الدينية”. ويعيش بعضهم على طريقة الرهبان والنساك فى البرية والغابات. ويوجد لدى الفلاشا شعيرة “الاعتراف” على غرار التقليد المسيحي المعروف ، فهم يدلون باعترافاتهم الى الكاهن اليهودى من وقت لآخر بهدف التوبة (4).

 ــــــــــــ

(1) محمود الشرقاوى : أثيوبيا ، كتب سياسية ، رقم 113 ، القاهرة ، 1959 م ، ص 26

(*)  تقول الموسوعة اليهودية Jewish Encyclopedia  ، فإنها تقول عن يهود الفلاشا : “جماعة إثنية فى أثيوبيا ، تزعم أنها من أصل يهودى ، ومرتبطة بنوع من أنواع الديانة اليهودية يستند الى العهد القديم والكتب الخارجية (الأبوكريفا) ، أى الكتب غير المعتمدة ، والكتب الأخرى الدينية التى ظهرت بعد الانتهاء من تدوين العهد القديم…” ( د. عبد الوهاب المسيرى : التجانس اليهودى والشخصية اليهودية ، ص 96 ). ولعل ما يشير إلى أن اليهود – ذاتهم – يشككون فى يهودية الفلاشا ، وأنهم يزعمون لأنفسهم أصلا يهوديا على غير الحقيقة أن رئيس الوزراء الاسرائيلى الأسبق إسحاق شامير ، الذى تم تهجير يهود الفلاشا الى اسرائيل فى أيامه ، يعترف صراحة بالشكوك التى تدور فى المجتمع الإسرائيلى حول يهودية هذه الطائفة : ” إن جزءا كبيرا من المجتمع الاسرائيلى يعاملهم (أى الفلاشا)  على أنهم مشكوك فى كونهم يهودا أصلا” (أحمد فؤاد ، اسرائيل ذلك المجهول، ص 104). ويقول د. عبدالعزيز شاهين : ” ويهود الفلاشا لم يرتبطوا باليهودية ارتباطا وثيقا ، بل هم أقرب الى المسيحية ، لكن المبشرين والمستشرقين الأوروبيين هم الذين ادعوا بيهودية هؤلاء ، وقامت الصهيونية العالمية باستغلال ذلك الادعاء خلال علاقاتها مع هيلا سيلاسى الامبراطور السابق لأثيوبيا” ( د. عبد العزيز شاهين ، الصراع القبلى والسياسى فى مجتمعات حوض النيل، ص 296 ).

(2)  د. عبد العزيز شاهين ، الصراع القبلى والسياسى فى مجتمعات حوض النيل ، ص  297

(3)  المرجع السابق ، ص 297   (4)  د. عبد الوهاب المسيرى ، التجانس اليهودى ، ص 97 – 98

سابعا :  الدستور الأثيوبى يؤكد على علاقات أثيوبيا باليهود

       واللافت أن الدستور الأثيوبى – ذاته – يؤكد فكرة انتماء الأثيوبيين لبنى إسرائيل ، كما يؤكد على القرابة بين الشعبين اليهودى والأثيوبى. وهو ما يشير إلى أن العلاقات ليست قائمة على مجرد أساطير وخرافات لا أصل لها كما يرى البعض ، بل إنها تقوم على أسس متينة تعتبر الشعبين وكأنهما كيانا عضويا واحدا. فالمادة الثالثة من دستور سنة 1931 فى أثيوبيا كانت تقول : “إن حق الحكم الإمبراطورى فى أسرة الإمبراطور هيلا سلاسى الأول ، ابن الملك سهلاسلاسى ، الذى ينحدر نسبه بدون انقطاع من أسرة منليك الأول بن سليمان ، ملك بيت المقدس ، وملكة أثيوبيا المعروفة باسم ملكة سبأ” (1).

       ولما تم كتابة دستور جديد لدولة أثيوبيا فى سنة 1955 م لم تتغير ، إلى حد كبير ، صيغة تلك المادة التى تؤكد على الرباط القوى الذى يجمع الشعب الأثيوبى بالشعب اليهودى ، وإن نقلت تلك المادة لتكون “المادة الثانية” من الدستور الأثيوبى ، وصار نص هذه المادة كالتالى : “على أن العرش يظل بصفة دائمة محصورا فى نسل هيلا سلاسى الأول ، المتسلسل من الملك سهلا سلاسى ، الذى هو بدون توقف من نسل أسرة منليك الأول ، ابن ملكة أثيوبيا من سليمان ، ملك بيت المقدس” (2).

        ومما يلفت الانتباه فى هاتين المادتين الخطيرتين فى الدستور الأثيوبى أنهما دعتا ملكة سبأ باسم “ملكة أثيوبيا” ، مع أنها اشتهرت بالاسم الأول فى الروايات ، وفى الكتب المقدسة ، وربما هذا لشعور الأثيوبيين بالحرج من أن ينسبوا أنفسهم لأرض سبأ فى بلاد اليمن ، فغيروا اسم الملكة. يقول د. زاهر رياض : “إن ملوك أثيوبيا والأثيوبيون جميعا يعتقدون فى صحة هذه القصة (*) ، كما يعتقدون أن بيتهم المالك يتسلسل تسلسلا غير منقطع عن منليك الأول هذا ابن ملكة سبأ من سليمان ملك بيت المقدس. ونرى هذا واضحا فى المادة الثالثة من الدستور الأثيوبى الصادر فى سنة 1931 م…وقد أعيد صياغة هذه المادة فى الدستور الجديد الذى صدر عام 1955 م…ويكاد النصان يتفقان” (3). وهذا يعنى أن فكرة الربط بين الشعبين الأثيوبى واليهودى صارت من مجرد أسطورة ، إلى جزء من الهوية الأثيوبية ، تؤكدها مواد الدستور ، وصار النسب الإسرائيلى شرفا يفتخر به الأثيوبيون.

ـــــــــــ

  • د. زاهر رياض : تاريخ أثيوبيا ، مرجع سابق ، ص 32 – 33
  • المرجع السابق ، ص 33

(*) هذه القصة يقصد بها قصة الملك منليك ابن سليمان وملكة سبأ

  • المرجع السابق ، ص 32

ثامنا : نهر النيل جزء من دولة إسرائيل التوراتية

       وربما من أهم العوامل التى تجعل اليهود ينظرون إلى نهر النيل بشكل يختلف عن سائر الأنهار فى الأرض ، وهو أن له مكانة دينية وعقائدية كبيرة فى الديانة اليهودية. فالنيل يمثل الحد الغربى لمملكة “إسرائيل الكبرى” المزعومة التى أعطاها لهم الرب حسب الرواية التوراتية. يقول سفر التكوين : “فى ذلك اليوم قطع الرب مع أبرام ميثاقا قائلا. لنسلك أعطى هذه الأرض من نيل مصر (*) إلى النهر الكبير نهر الفرات…” (1). ورغم أن هذا “الوعد الإلهى” الوارد فى التوراة من الرب إلى إبراهيم النبى ولنسله ، إلا أن اليهود استبعدوا العرب من ذلك الوعد ، لأنهم أبناء إسماعيل بن إبراهيم ، وإسماعيل أمه هاجر المصرية ، وهى جارية فى معتقدهم ، ولذا لا تتساوى عندهم مع سارة أم إسحاق بن إبراهيم ، وهو أبو يعقوب (إسرائيل) جد اليهود (**). كما أن النيل هو النهر الذى ألقى فيه تابوت موسى النبى وهو طفل، فحفظه النهر حتى ذهب إلى قصر فرعون، يقول سفر الخروج : “فنزلت ابنة فرعون إلى النهر لتغتسل..فرأت السفط (التابوت)..فلما فتحته رأت الولد. وقالت هذا من أولاد العبرانيين” (2). ثم تربى موسى بعدئذ فى القصر الملكى ، وصار أميرا من أمراء العائلة المالكة.

ـــــــــــ

(*) واللافت أن التوراة – ذاتها – تنسب نهر النيل إلى مصر ، وليس إلى غيرها من دول حوض النيل ، فهو يعرف باسم “نيل مصر” ، وتسمية النيل ذاتها أطلقها اليونانيون على نهر مصر ، وهو اسم مشتق من اسم إله الأنهار عندهم : نيلوس. كما يبدو نسبة النيل إلى مصر فى الكثير من المصادر الدينية ، ومنها دعاء الأنبياء لأرض مصر ولشعبها ولنيلها ، ومنها دعاء نبى الله نوح عليه السلام الذى يرويه ابن عباس رضى الله عنه والذى يدعو فيه نبى الله نوح لحفيده مصرايم ، وهو الذى ينسب إليه المصريون باسمهم ، وذلك لما جاء مصرايم ليسكن أرض مصر. فقال نوح فى دعائه له : “اللهم بارك فيه وفى ذريته ، وأسكنه الأرض المباركة التى هى أم البلاد ، وغوث العباد ، التى نهرها (وهو نهر النيل) أفضل أنهار الدنيا” (ابن عبد الحكم : فتوح مصر وأخبارها ، مكتبة مدبولى ، الطبعة الأولى ، 1999م ، ص 8 . وللمزيد ، انظر : ابن زولاق : فضائل مصر وأخبارها وخواصها ، تحقيق : د. على محمد عمر، هيئة الكتاب، 1999م ، ص 10 ، ابن الكندى : فضائل مصر المحروسة ، تحقيق : د. على محمد عمر ، هيئة الكتاب ، 1997م ، ص 12 ، ابن إياس : بدائع الزهور ، ج 1 ، تحقيق : محمد مصطفى ، 1982م ، ص 10 ، القلقشندى : صبح الأعشى ، ج3 ، الهيئة العامة لقصور الثقافة، 2004م ، ص 317 ، السيوطى : حسن المحاضرة فى أخبار مصر والقاهرة ، ج 1 ، تحقيق : خليل المنصور ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، 1997 م ، ص 34 . كما ورد هذا الدعاء فى العديد من المصادر التاريخية الأخرى…)           (1)  ( سفر التكوين – 15 )

(**)  يقول د. عبد الوهاب المسيرى عن فكرة استبعاد اليهود لأبناء إسماعيل من الوعد الإلهى : “ويركز العهد القديم على أن دم إسماعيل ليس نقيا ، فهو أولا من أم مصرية ، ثم إنه هو نفسه تزوج مصرية. واندمج نسله مع الميديانيين والمؤابيين الأمر الذى جعلهم خصوما للعبرانيين…” (د. عبد الوهاب المسيرى ، موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية ، ج 1 ، مرجع سابق ، ص 400).    (2)  (سفر الخروج – الإصحاح الثانى)

      وعلى أية حال ، فمن خلال تلك الرؤية اليهودية، فإن نهر النيل هو جزء من دولة إسرائيل ، ويجب أن يكون تابعا لها ، وإن لم يقل ساسة اليهود ذلك صراحة. لكن اعتقادهم الدائم بفكرة “إسرائيل الكبرى” التى وردت فى التوراة، ووجود ذلك المتن التوراتى الآنف الذى يتحدث عن حدود هذه الدولة المزعومة فى الكثير من المؤسسات الرسمية فى إسرائيل ، ومنها “الكنيست” ، ليؤكد بما لا يدع مجالا لريبة أن هذه الفكرة لا تزال تسيطر على اليهود. ولهذا ، فهم يحاولون القيام بكل ما من شأنه التحكم فى نهر النيل، وأن يكون لإسرائيل دور فاعل فى بلدان حوض النيل عامة ، وأثيوبيا خاصة عن طريق تدعيم العلاقات الإسرائيلية – الأثيوبية ، بحيث يكون لهم دور مؤثر فى هذا النهر من خلال إقامة المشروعات المائية فى نطاقه ، وكذلك رغبة الإسرائيليين فى الاستفادة من مياه نهر النيل. وتلك الأفكار تؤكد خلط اليهود بين السياسة والأفكار التوراتية بهدف الحصول على مكاسب خاصة بهم ، ومحاولة الاستفادة من المتون الواردة فى التوراة التى تخدم مآربهم ، واستغلال وسائل الاعلام الغربية التى تميل بشدة للترويج للأفكار التى تؤيد اليهود حتى ولو كانت غير حقيقية.

تاسعا :  أطماع إسرائيل فى مياه نهر النيل

       ومن خلال الأطروحات الآنفة ، فإنه لم يكن غريبا أن يقوم اليهود بوضع خطط تآمرية تزيد من نفوذها فى أثيوبيا للسيطرة على نهر النيل ، بما يخدم مصالح كليهما ، وفى ذات الوقت ما يمثل ضغوطا على مصر ومصالحها فى حوض النيل عن طريق إقامة مشروعات تقلل كمية المياه التى تأتى إلى مصر. ولاريب أن العلاقات التاريخية القرابية التى تربط بين الأثيوبيين واليهود منذ أقدم العصور تلعب دورا هاما فى توغل إسرائيل فى منابع حوض النيل ، وتعطيها مزايا أكثر من غيرها من خلال ذلك البعد الدينى والتاريخى الذى يربط بين أثيوبيا وإسرائيل. وتحاول إسرائيل دوما تحريض أثيوبيا على القيام بمزيد من الخطوات التصعيدية ضد مصر واستفزازها عن طريق القيام بمشروعات تضر بمصالح مصر المائية فى نهر النيل. خاصة وأثيوبيا تعد أهم دول حوض النيل ، وهى تسهم بنحو 85 % من مياه النيل من خلال أنهارها الثلاثة : السوباط والنيل الأزرق والعطبرة (1). ولاريب أن إسرائيل هى أكثر من يحاول تغذية الفكرة القائلة بأن مصر باعتبارها دولة مصب ، فهى فى موقف أضعف مقارنة بدول المنبع ، وعلى رأسها أثيوبيا (2).

ــــــــــ

  • د. أيمن عبد الوهاب ، مياه النيل فى العلاقات المصرية – السودانية ، آفاق أفريقية ، المجلد الثانى ، العدد الخامس ، ربيع 2001 م ، ص 20

     (2) المرجع السابق ، ص 20

       وتوجد العديد من الاتفاقيات الدولية التى تحدد توزيع حصص ماء النيل بين دول المنبع والمصب ، وهى اتفاقات وقعت عليها أثيوبيا ، أو من ينوب عنها ، ولذا يجب احترامها لأنها تتمتع بالصبغة الدولية ، حتى لو كانت قد وضعت إبان الاحتلال الأجنبى لها. ولعل من أهم تلك الاتفاقيات تلك التى وقعت فى 15 أبريل 1891م ، وهو المعروف باسم : “بروتوكول روما” بين بريطانيا (باعتبارها ممثلة للمصالح المائية لكل من مصر والسودان) ، وإيطاليا (ممثلة لأثيوبيا). وكان الاتفاق يهدف الى تعيين الحدود ومناطق النفوذ ، ونصت إحدى المواد على أن تمتنع الحكومة الايطالية عن إقامة أية أعمال أو منشآت هندسية على نهر العطبرة قد تؤثر على مياه نهر النيل (1). وكذلك اتفاق أديس أبابا فى 15 مايو 1902 م بين بريطانيا وإيطاليا بشأن الحدود المشتركة ، وتعهد فيه ملك أثيوبيا بموجب المادة الثالثة بعدم إقامة أية مشروعات سواء على النيل الأزرق أو على بحيرة تانا أو على نهر السوباط إلا بعد الرجوع إلى الأطراف الأخرى (2). إضافة ألى معاهدة لندن المبرمة فى 9 مايو 1906م (3). وكذلك اتفاق 13 ديسمبر 1906م بين كل من بريطانيا وفرنسا وإيطاليا الذى أكد على ضرورة المحافظة على مصالح مصر فى حوض النيل (4). كما وقعت معاهدة بين بريطانيا وإيطاليا وأثيوبيا سنة 1920 م ، بشأن حدود السودان المصرى البريطانى وأثيوبيا ، وكذا بشأن مياه النيل. وقد تضمنت المعاهدة رغبة الأطراف فى توثيق عرى المودة بين تلك البلدان ، وعلى ألا تقام مشروعات على النيل الأزرق أو بحيرة تانا أو نهر السوباط يمكنها أن تؤثر على مياه النيل ومجراه. وقدم فيها ملك الحبشة العديد من التعهدات لذلك (5). كما تم تبادل مذكرات متبادلة بين بريطانيا وايطاليا بشأن الامتيازات المتعلقة باقامة خزان على بحيرة تانا فى ديسمبر 1925 م. واعترفت فيها إيطاليا (ممثلة عن أثيوبيا) بالحقوق الهيدرولية لكل من مصر والسودان ، والالتزام بعدم إقامة أية أشغال على المياه الرئيسية للنيل الأزرق أو روافده يمكنها أن تعدل بصورة ملموسة تدفق المياه نحو مجرى النهر الرئيسى (6). وغير ذلك من الاتفاقات التى قدمت فيها أثيوبيا تعهدات باحترام حقوق مصر ودول المصب فى نهر النيل.

ــــــــــ

(1) د. أحمد الرشيدى : مصر ومياه النيل الاطار القانونى الحاكم وضرورات التعاون المشترك ، آفاق أفريقية ، المجلد الثانى ، العدد الخامس ، ربيع 2001 م ، ص 10

(2) المرجع السابق ، ص 10

(3) المرجع السابق ، ص 10 – 11

(4) المرجع السابق ، ص 11

(5) د. محمد عبد الغنى سعودى ( وآخرون ) : النيل وتاريخ الرى فى مصر ، وزارة الأشغال العامة والموارد المائية ، القاهرة ، دون تاريخ ، ص 501

(6) المرجع السابق ، ص 502

        ورغم تلك الاتفاقات ، إلا أن أثيوبيا تحت الضغوط اليهودية تحاول المراوغة ، وأن تتحلل من الالتزامات التى وقعت عليها ، وتعهدت بها. وتحاول إسرائيل عمل كل ما من شأنه أن يوقع مزيد من التوتر فى العلاقات بين مصر وأثيوبيا ، لأن ذلك فى مصالحها. ولسنا نشك فى أن إسرائيل لها الكثير من الأطماع فى منطقة حوض النيل (*) ، وهى أطماع قديمة ، فهى تحلم بأن يصل ماء النيل إلى الأراضى الإسرائيلية لمواجهة الأزمة المائية الحادة التى تعانيها بسبب قلة المياه ، رغم ما تقوم به إسرائيل من سرقة مياه الدول المجاورة لها ، أو تلك التى تحتل أراضيها.

       ولما زار الرئيس السادات القدس عام 1977 م ، تحدث المسئولون الإسرائيليون مع السادات لشق ترعة من النيل إلى صحراء النقب. وقد تقدمت إسرائيل بمشروعات عدة تهدف لحصولها على نسبة 1 % من مياه نهر النيل (1). وكان المخطط الإسرائيلى – كما أشار إليه مهندس إسرائيلي يدعى “إليشع كيلى”  سنة 1974 م –  يقوم على حفر ترعة لسحب مياه النيل أسفل قناة السويس ، ثم توصيلها إلى إسرائيل (2). وحاولت إسرائيل فى ظل المفاوضات متعددة الأطراف الخاصة بمشكلة الشرق الأوسط أن تطرح هذه القضية بإلحاح ، غير أن مخططها فى فشل بسبب المعارضة الشديدة له.

ـــــــــ

(*) كانت منطقة حوض النيل ولاسيما المنابع مركزا لصراعات كبيرة بين الدول الأوروبية الاستعمارية الكبر مثل : فرنسا وإنجلترا وإيطاليا ، وكانت أطماع تلك الدول قد خلقت صراعات كبيرة خاصة إبان القرنين التاسع عشر والعشرين الميلاديين. فقد بلغ هذا الصراع أشده فى نهاية القرن التاسع عشر ، لما سمحت إنجلترا لايطاليا فى الوجود فى منطقة القرن الأفريقى خاصة فى الحبشة ، حتى تبتعد إيطاليا عن عن منطقة منابع النيل ، وكذلك نكاية فى خصمتها اللدود فرنسا ، وابعادها هى الأخرى عن تلك المنطقة الهامة. ولما أدركت فرنسا أبعاد ذلك المخطط البريطانى ، عملت على مقاومة الوجود الايطالى فى الحبشة ، كما انتهجت سياسة التقارب مع إمبراطور الحبشة القوى آنذاك ، وهو الامبراطور منليك الثانى. وقد أطلعت فرنسا منليك على المخططات الايطالية والبريطانية فى بلاد الحبشة ، ما جعله يعمل هو الآخر على التقارب مع فرنسا ضد كل من ايطاليا وإنجلترا ، وبهذا بلغت العلاقات الحبشية – الفرنسية آنذاك ذروتها حوالى سنة 1891 م (د.أنتونى سوريال عبد السيد ، العلاقات المصرية الأثيوبية (1855 – 1935 م) ، الجزء الثانى ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، سلسلة تاريخ المصريين ، 2003 م ، ص 472).

(1) د. حمدى عبد الرحمن ، مصر وتحديات التدخل الدولى فى أفريقيا ، مرجع سابق ، ص 148

(2) المرجع السابق ، ص 162

       والمعروف أن إسرائيل سوف تقل مواردها المائية بنسبة 50 % ما لم توجد بدائل أخرى ، ويزداد مؤشر الخطر إرتفاعا مع تكريس إسرائيل لسياسات الأمن المائى ، وهو ما يعنى أن حدود دولة إسرائيل هى حدود أمنها المائى. ولهذا ، فإننا لا نعجب من وجود الشعار التقليدى لدولة إسرائيل الكبرى على جدران الكنيست الإسرائيلى الذى يقول : “أرضك يا إسرائيل من الفرات إلى النيل” (3). ولهذا يبقى نهر النيل – من المنظور الإسرائيلى – هو طوق النجاة لدولة الكيان الإسرائيلى فى حل أزمتها المائية.

       وتسعى إسرائيل إلى إستخدام الدول الأخرى التى تقع فى حوض النيل – غير مصر – كخط هجوم متقدم ، حيث تقوم دول الجوار باتباع إستراتيجيات تتفق مع المصالح الإسرائيلية ، وخططها التنموية فى الوقت الذى تكون فيه إسرائيل قد نفذت إلى دول الجوار ، لاسيما أثيوبيا ، تحت شعار المساعدات الفنية والعسكرية. وتحاول إسرائيل أن تتغلل بنفوذها من خلال التحريض الدائم لدول حوض النيل لاشعارها بالظلم الناتج عن الاستخدام العربى المفرط لماء النيل ، رغم أن دولة كأثيوبيا تسهم وحدها بنحو 85 % من مياه النيل ، بينما الدول العربية كمصر والسودان ليست إلا دول مصب ، وهو ما يزيد التوتر بين دول المنبع ، وعلى رأسها أثيوبيا ، ودول المصب (1).

       والذى لا ريب فيه أن الأزمة التى ثارت بين دول المنبع لنهر النيل وبين مصر والسودان فى اجتماع الإسكندرية فى يوليو سنة 2009 م ، وحالت دون توقيع الاتفاقية الاطارية لمياه النيل كان وراءها أيادى إسرائيل التى لم تعد خفية فى دول حوض النيل. وتحاول إسرائيل استخدام الدبلوماسية ، إلى الجانب القوة الناعمة لزيادة نفوذها فى دول حوض النيل ، بما يمكنها من حصار مصر ، والضغط عليها من خلال التأثير سلبا على حصة مصر من ماء النيل (2). وفى ذات الوقت ، تستفيد إسرائيل من ذلك الوضع المتوتر بين مصر وبلاد حوض النيل ، والحصول على المزيد من المنافع.

*****

ـــــــــ

(1) د. سيد محمد موسى حمد ، مصر ودول حوض النيل ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، سلسلة العلوم الاجتماعية ، القاهرة ، 2010 ، ص 194

(2) المرجع السابق ، ص 194

(3) د. حمدى عبد الرحمن ، مرجع سابق ، ص 163

الخاتمة

 

        ومن خلال هذه “الورقة البحثية” يمكن القول:

1 –  إن العلاقات القرابية التى تجمع الأحباش واليهود ترجع إلى أقدم العصور ، وتحديدا منذ أيام الملك سليمان بن داود ملك إسرائيل (القرن العاشر ق.م). ولهذا ، فإن الترابط العضوى دائم بين كليهما حتى اليوم ، ويمكن القول بأن دولتى أثيوبيا وإسرائيل – حاليا – يمثلان كيانا عضويا واحدا ، أو دولة واحدة مع بعض الاختلافات ، إحداهما تقع فى قارة آسيا، والأخرى فى أفريقيا.

2 –  يعد الملك منليك الأول ، وهو ابن الملك سليمان وملكة سبأ ، أول ملك فى تاريخ الحبشة ، وهو توج فى أورشليم ، ووضع أبو سليمان على رأسه تاج داود ملك إسرائيل. ومن نسل هذا الملك ينحدر ملوك وأباطرة الحبشة عبر التاريخ ، حسب الروايات الحبشية.

3 –  تحولت الحبشة إلى الديانة اليهودية أيام منليك الأول ، الذى نقل إلى بلاده كتب اليهود المقدسة ، كما حمل معه التابوت المقدس وألواح موسى ، حسب الروايات الحبشية ، حتى يعلم الأحباش العقائد اليهودية ، وكان ذلك بمثاية ذروة العلاقات بين الشعبين. وظلت الحبشة على اليهودية حتى لما تحولت إلى المسيحية ، ظل الأحباش متأثرين بقوة بالعادات والطقوس اليهودية ، وحتى كنائسهم تبنى على طراز المعابد اليهودية فى أورشليم ، وهو ما يبدو جليا حتى يومنا هذا.

4 –  تعد الأسرة السليمانية اليهودية هى أهم الأسر الملكية الحاكمة فى تاريخ بلاد الحبشة ، وهى تحمل اسم سليمان بن داود ملك إسرائيل. ورغم أصول تلك الأسرة اليهودية التى لا تقبل جدلا ، إلا أن المصادر التاريخية تذكر أنهم كانوا يدينون بالمسيحية ، وكانوا متعصبين لها ، ويعدوا أنفسهم حماتها. واعتناق هذه الأسرة للمسيحية من الأمور الغامضة التى تحتاج مزيدا من الدراسة والبحث لمعرفة حقيقة ذلك الأمر ، لاسيما مع ما نعرف من عداء اليهود الأبدى للمسيحيين ، ومع تفاخر ملوك هذه الأسرة وغيرهم من ملوك الحبشة بأنهم أحفاد سليمان ملك إسرائيل ، وكذلك انتسابهم له.

5 –  كانت العلاقات بين مصر وملوك الأسرة السليمانية يشوبها التوتر فى الغالب ، بسبب أصول تلك الأسرة اليهودية ، وما نعرفه من عداء اليهود التاريخى لمصر ، واعتبارها  “أرض العبودية” لأجدادهم ، ونظرة التوراة السلبية تجاه مصر. وقد أخذ ملوك هذه الأسرة ورقة أقباط مصر تكأة للضغط عليها ، وتهديد سلاطينها بمنع مياه النيل أن تصل لمصر من بلادهم التى هى منبع نهر النيل الأهم.

6 –  يمثل يهود الفلاشاه أحد عوامل الربط التاريخى بين اليهود وبلاد الحبشة ، مع زعم هؤلاء الفلاشا بأنهم من نسل الملك سليمان وملكة سبأ ، وأنهم من أسباط بنى إسرائيل ، أو أنهم من نسل دان ابن يعقوب ، أحد أسباط بنى إسرائيل.

7 –  يمثل نهر النيل فى الفكر والتراث اليهودى جزءا من أرض إسرائيل الكبرى التى وعدها الرب لليهود فى التوراة حسب زعمهم ، وهى الأرض التى تمتد من نهر النيل غربا وحتى نهر الفرات شرقا ، ولذا يعتقد اليهود بأن لهم حقوقا تاريخية ودينية فى نهر النيل.

8 –  يحاول اليهود استغلال العلاقات القرابية القديمة بينهم وبين الأثيوبيين منذ القدم لمزيد من التوغل فى بلاد حوض النيل ، وخاصة فى أثيوبيا ، للاستفادة من مياه النيل لمواجهة الأزمة المائية التى تعانى منها دولة الكيان الصهيونى ، ومحاصرة مصر من الجنوب ، والتأثير سلبا على مصالح مصر المائية ، وهو ما يمثل تحديا كبيرا لمصر وأمنها القومى.

9 –   ولسنا نشك فى أن العلاقة القرابية التى تجمع بين اليهود والأحباش منذ القدم كان لها بالغ الأثر فى العلاقات الودية التى توطدت عراها بين أثيوبيا وإسرائيل منذ سنة 1948 م ، وهو ما ساعد إسرائيل على التغلغل فى منطقة حوض النيل ، ومن ثم الانتشار فى بلدان أفريقيا ، مستغلة تراجع الدور المصرى فى أفريقيا خلال العقود الثلاثة الماضية.

10 –  ويؤكد الدستور الأثيوبى على العلاقات التاريخية بين اليهود والأثيوبيين ، وأن الأثيوبيين أحفاد سليمان وملكة سبأ ، ولهذا فإن مطران أثيوبيا كان يؤكد إبان تتويجه لملوك الحبشة على أنهم أبناء منليك بن سليمان ملك إسرائيل. وكل هذه الأمور وغيرها من الإشارات تؤكد أن العلاقة العضوية التى تربط بين أثيوبيا وإسرائيل هى أخطر مما يتخيله الكثيرون.

11 – ولهذا ، يجب على مصر أن تعيد صياغة دورها الأفريقى من جديد ، والعودة إلى أفريقيا ، لأن ابتعادها أضر بشدة بالمصالح المصرية فى القارة عموما ، وفى حوض النيل خاصة ، وأتاح لإسرائيل مزيدا من التوغل فى شئون القارة الأفريقية التى تمثل عمقا حيويا لمصر ، وهو ما يعد تهديدا خطيرا لأمن مصر القومى.

*****

المصادر والمراجع

 

(1) التـوراة  (العهد القديـم)

(2) ابن الأثـير : الكامل فـى التاريـخ ، ج 1 ، تحقيق : خيرى سعيد ، المكتبة التوفيقية ، القاهـرة ، دون تاريـخ

(3)  ابن الكـندى : فضائـل مصر المحـروسة ، تحقيق : د. على محمد عمر ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، 1997م

(4)  ابن إيـاس : بدائـع الزهـور ووقائـع الدهـور ، الجـزء الأول ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، تحقيق : محمد مصطفى ، 1982 م

(5) ابن جـرير الطـبرى : تاريـخ الأمم والملوك ، تحقيق : مصطفى السيد ، المكتبة التوفيقية ، دون تاريـخ

(6) ابن خلـدون : العبر وديـوان المبتدأ والخـبر ، الجزء الثانـى ،  تقديـم : د. عبـادة كحيلة ، الهيئة العامة لقصور الثقافة ، سلسلة الذخائـر ، القاهـرة ، 2007 م

(7) ابن طاهـر المقدسـى : الـبدء والتاريـخ ، تحقيق : كليمان هـوار ، تقديـم : د.محمود إسماعيل ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، الـتراث ، 2010

(8)  ابن كثـير : قصص الأنبياء ، تحقيق : حمدى الـدمرداش ، مكتبة نـزار مصطفى ، الريـاض ، 2004 م

(9) ابن زولاق : فضائل مصر وأخبارهـا وخـواصها ، تحقيق : د. على محمد عمر، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، 1999م

(10) ابن عبد الحكـم : فتـوح مصر وأخبارهـا ، مكتبة مدبولـى ، الطبعة الأولى ، 1999م

(11) أبـو القاسم ابن خـرداذبـة : المسالك والممالك ، مكتبة الثقافـة الدينية ، القاهـرة ، دون تاريخ

(12)  أبوحنيفة الـدينورى : الأخبار الطـوال ، تحقيق : عبد المنعم عامر ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، 2010 م

(13) الثعلبـى : قصص الأنبياء ، مكتبة الايمان ، المنصورة ، دون تاريـخ

(14)   الزهـرى : كتاب الجغـرافيـة (وما ذكـرته الحكماء فيها من العمارة وما فى كل جـزء من الغرائب والعجائب) ، تحقيق : محمد حاج صادق ، مكثبة الثقافة الدينية ، القاهـرة ، دون تاريـخ

(15) السيوطـى : حسن المحاضرة فـى أخبار مصر والقاهـرة ، الجزء الأول ، تحقيق : خليل المنصور ، دار الكتب العلمية ، بـيروت ، 1997 م

(16) القلقشـندى : صبح الأعشـى ، الجـزء الثالـث ، الهيئة العامة لقصور الثقافة ، القاهـرة ، 2004م

(17)  المقريـزى : الإلمام بأخبـار من بـأرض الحبشة من ملوك الإسـلام (رسائل المقريـزى) ، تحقيق : رمضان البـدرى ، وأحمد مصطفى قاسـم ، دار الحـديث ، القاهـرة ، 2006 م

(18) المسعودى : مروج الـذهب ومعادن الجوهـر ، ج1 ، تحقيق : مصطفى السيد ، المكتبة التوفيقية ، القاهـرة ، 2003 م

(19) اليعقوبـى : تاريـخ اليعقوبـى ، ج 1 ، تحقيق : خليل المنصور ، دار الكـتب العلمية ، بيروت ، 2002 م

(20) د. أحمد الـرشيدى : مصر ومياه النيل الاطار القانـونى الحاكـم وضرورات التعاون المشترك ، دوريـة آفـاق أفريقية ، المجلد الثانـى ، العـدد الخامس ، ربيع 2001 م

(21)  أحمد فـؤاد : إسـرائيل ذلك المجهول ، القاهـرة ، 1996 م

(22)  إلن هوايت : الأنبياء والملوك ، ترجمة : إسحاق فرج ، القاهرة ، 2003 م

(23)  إميل لـودفيـج : النيل حياة نهـر ، تـرجمة : عـادل زعيـتر ، هيئة الكتاب ، القاهـرة ، 1997 م

(24)  د. أنتونى سوريال : العلاقات المصرية الأثيوبية ، الجزء الثانى ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، تاريخ المصريين ، 2003 م

(25)  د. أيمن عبد الوهاب : مياه النيل فى العلاقـات المصرية – السودانية ، آفـاق أفريقية ، المجلد الثانـى ، العـدد الخامس ، ربيع 2001 م

(26)  د. حمدى عبد الرحمن : مصر وتحديـات التدخل الدولـى فـى أفريقيا ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، 2012م ،

(27)  د. حندوقـة إبراهيم فـرج : الحضارات الأفـريقية القـديمة وآثـارها ، القاهـرة ،       2002 م

(28)  د. سيد محمد موسى حمد : مصر ودول حـوض النيل ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، سلسلة العلوم الاجتماعية ، القاهـرة ، 2010

(29)  د. عبد العـزيز شـاهين : الصراع القبلى والسياسـى فى مجتمعات حـوض النيل ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ،

(30)  د. عبدالـوهاب المسيرى : موسوعـة اليهود واليهوديـة والصهيونية ، ج1 ، دار الشروق ، 2006 م

(31)  د. عبد الوهاب المسيرى : التجانـس اليهودى والشخصية اليهوديـة ، كتاب الهـلال ، 2004 م

(32)  د. عزيـز سوريـال : تـاريخ المسيحية الشرقية ، تـرجمة : د. ميخائيل اسكندر ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، 2012 م

(33)  د. قاسم عبده قاسم : العـرب فى أفريقيا (الجـذور التاريخية والواقـع المعاصر) ، دار الثقافة العربية ، القاهـرة ، 1987 م

(34)  د. كـرم الصاوى بـاز : ممالك النوبـة فى العصر المملوكى ، مكتبة الأنجلو المصرية ، القاهـرة ،  2006

(35)  محمد إمام فانتا : أثيوبيا بين الأمس واليوم ، مكتبة النهضة المصرية ، القاهرة ، 2007م

(36)  محمود الشرقاوى : أثيوبيا ، كتب سياسية ، رقم 113 ، القاهرة ، 1959 م

(37)  د. محمد عبد الغنى سعودى ( وآخرون ) : النيل وتاريخ الرى فى مصر ، وزارة الأشغال العامة والموارد المائية ، القاهرة ، دون تاريخ ، ص 501

(38)  نجيب جـرجس : سفـر الخـروج ، القاهـرة ، 2002 م

(39)  د. زاهر رياض : تاريخ أثيوبيا ، مكتبة الأنجلو المصرية ، القاهرة ، 1966 م

 Alan Moorehead : The Blue Nile ,  London , 1967                             (40)

(41)     Bolous  Massaad :  L ‘ Ethiopie ,  le Caire , 1936

Carveth Wells :  Introducing Africa , New York , No Date , P. 124    (42)

(43)F. Elliot :  A Dictionary of  Politics, Penguin Books , London , 1961

(44)         G. Crowther   Africa ,  Lonely Planet ,  Australia ,  1989

(45)  George Gill : Student ‘ s Geography , London  , No Date

(46) Helen Kitchin : A Handbook of African Affairs, African American     Institute ,  New York, 1964,

(43) The  New  American  Desk  Encyclopedia : New York , 1982

*****

قد يعجبك ايضا
اترك رد

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد