الجهود الدولية والإقليمية والإجراءات الوقائية لمواجهة جريمة القرصنة البحرية

  إن القضاء على جريمة القرصنة ومواجهتها لا يتحقق إلا من خلال تضافر الجهود الدولية والإقليمية لمحاربة هذه الظاهرة التي لا تمثل خطراً على دول المنطقة على وجه الخصوص بل على المستوى العالمي، وانطلاقا من هذا المبدأ يتناول هذا المبحث الجهود الدولية والإقليمية الفاعلة في مواجهة ظاهرة القرصنة في شكل مُوجز دون التطرق إلى جهود كل دولة على حدة مكتفياً بعرض عام لتلك الجهود وآليات التعاطي معها، ثم عرض الإجراءات الوقائية لمواجهة هذه الظاهرة وذلك على النحو التالي:

 أولاًـ الجهود الدولية والإقليمية لمواجهة القرصنة:

بدايةً لعله من المفيد عند تناول الجهود الدولية والإقليمية لمواجهة ظاهرة القرصنة أن يتم طرح كلاً منها على حدة انطلاقا من أساسيات البحث العلمي، وتجنب الوقوع في اللبس والغموض الذي قد يجعل هناك نوع من التشويش على متتبعي هذه الظاهرة ، ومن ثم يمكن توضيح ذلك وفقاً لما يلي:

1 -الجهود الدولية للمواجهة:

تقوم دول العالم بشكل جماعي أو منفرد بجهود حثيثة للقضاء على خطر القرصنة البحرية التي أصبحت تهدد سفنها التجارية وأقاليمها الساحلية وموانئها ومن ثم مصالحها التجارية والاقتصادية، والأمنية على الصعيدين الدولي والمحلي ومن بين تلك الجهود : الاتفاقيات التي عقدت في عام 1992م بين اندونيسيا وماليزيا وسنغافورة ؛ من أجل وضع دوريات مشتركة للتصدي لأعمال القرصنة وتبادل المعلومات في هذا الخصوص ، وفي ذات السنة عقد اتفاق بين اندونيسيا وماليزيا ؛ لمكافحة القرصنة في مضيق ملقا ، من خلال تكوين فريق لتنفيذ دوريات والتخطيط المشترك”[1]” ، إضافة إلى ذلك اتفاقية التعاون المشترك بين تايلاند وفيتنام في العام 1997م لتكوين دوريات مرورية بحرية مشتركة ، واتفاق عام 2000م بين الهند واليابان للقيام بتدريبات مشتركة لقوات حرس الحدود لكلا البلدين ، حيث كان لليابان الدور القيادي في نجاح المبادرات التي تمت في هذا الشأن  ، ومن بين ذلك تعاون “معهد أوكازاكي” في طوكيو مع برنامج جنوب شرق آسيا على المحيط حيث قاما بتنظيم مؤتمراً دولياً لمكافحة القرصنة والسطو المسلح في جنوب شرق آسيا ، والذي دارت أعماله في مدينة بانكوك” مارس / 2001م”، والذي دعا إلى تطبيق تدابير لمكافحة القرصنة مصممة خصيصاً لحالات فريدة من نوعها في منطقة معينة وتعيين دوريات مشتركة فيما بينها إلى غير ذلك من الجهود والتدابير”[2]“. و إذا ما عدنا إلى الوراء فنجد تلك الجهود بذلت مبكرة للقضاء على القرصنة  وعلي سبيل المثال ما قامت به هيئة الأمم المتحدة وتحديداً في الفترة التي تلت الحرب العالمية الثانية ، إذ قامت بتقنين مبادئ مستقرة للقانون الدولي ، وبموجب المادة الثالثة عشر من ميثاقها التي دخلت حيز التنفيذ في عام 1946م تم إنشاء هيئة دائمة باسم لجنة القانون الدولي ،التي أصبح من أولى مهامها وضع قانون دولي للبحار ، وتمخض عن هذا إقرار أربع اتفاقيات في مؤتمر جنيف عام 1956م ، من بينها اتفاقية جنيف لأعالي البحار المنعقدة في نفس العام التي تناولت من مادتها “14” إلى مادتها “23”أحكام القرصنة البحرية ،حيث نصت المادة “14”على ضرورة تعاون الدول لمحاربة القرصنة البحرية ، ووفقاً لهذا اعتبرت القرصنة البحرية الجريمة الدولية الثانية بعد جرائم الحرب”[3]“.

الجهود الدولية والإقليمية والإجراءات الوقائية لمواجهة جريمة القرصنة البحرية
الجهود الدولية والإقليمية والإجراءات الوقائية لمواجهة جريمة القرصنة البحرية

 أضف إلى ذلك فقد لعبت المنظمة البحرية الدولية (OMI) عام 1958م دوراً بارزاً في مكافحة جريمة القرصنة، ومن بين تلك الجهود قرارها رقم (13) التي أصدرته عام 1983م إثر تقدم حكومة السويد بشكوى، بعد حدوث أعمال قرصنة غربي أفريقيا وسواحل شرق آسيا، الذي نص على ضرورة اتخاذ إجراءات حازمة لمكافحة القرصنة من جميع الحكومات وإرسال كافة المعلومات المتوفرة لديها عن هذه الحوادث “[4]“. كما قام مجلس التجارة والتنمية التابع للأمم المتحدة في العام 1982م بتعيين فريقاً دولياً متخصصاً للنظر في وسائل مكافحة الاختيال والغش التجاري والقرصنة البحرية، الذي قام بدوره بصياغة مدونة نموذجية تسترشد بها الدول النامية في إصدار التشريعات والأنظمة التي تعالج هذه الظاهرة”[5]“. ومن تلك الجهود أيضاً الإسهامات التي قدمها المكتب البحري الدولي في عام 1998م، بالمشاركة مع الاتحاد الدولي لعمال النقل في تأسيس ما يسمى”خدمة إجراءات التحريات السريعة” عن حوادث القرصنة. الذي يهدف إلى توفير معلومات سريعة عن الحادثة فور وقوعها والخسائر والآثار الناجمة عنها “[6]“.وفي العام 2007م وجه رئيسا منظمتين تابعتين للأمم المتحدة نداءً للقيام باتخاذ إجراءات دولية منسقة من أجل مواجهة تهديدات القراصنة والسطو المسلح قبالة السواحل الصومالية-وعندما تفاقمت القرصنة البحرية، ونتيجة للجهود المبذولة للقضاء على هذه الجريمة أصدر مجلس الأمن في عام 2008م – بالإجماع – قراراً دعا فيه إلى ضرورة نشر سفن وطائرات حربية لمحاربة القرصنة بشكل فعال في عرض البحر وعلى طول السواحل الصومالية.”[7]“. وقد أولت دولة مثل الولايات المتحدة الأمريكية اهتماما واضحاً بجهود مكافحة القرصنة حيث تمكنت من استصدار قرار بالإجماع من مجلس الأمن الدولي بتاريخ 16 فبراير 2008 م يؤيد وجهة نظرها بشأن مجموعة الاتصال الدولية لمكافحة القرصنة (آلية معنية بكافة ما يتعلق بمكافحة القرصنة)، ومن ثم وجهة الإدارة الأمريكية الدعوة في 21 ديسمبر 2008 م إلى كلاً من السعودية ومصر واليمن وجيبوتي وسلطنة عمان والإمارات وكينيا والصومال وفرنسا وبريطانية والصين وروسيا والدنمرك واليونان وهولندا واسبانيا وألمانية وأستراليا والهند وكوريا الجنوبية واليابان للانضمام للمجموعة كمساهمين، إلى جانب أربعة منظمات دولية (الاتحاد الأوربي – والاتحاد الإفريقي – وحلف الناتو – وسكرتارية الأمم المتحدة) بصفة مراقب، فضلاً عن حضور الاجتماع التأسيسي للمجموعة بمقر الأمم المتحدة بنيويورك يومـــــــــــــــــــــــــــــــــــــي 13و14 يناير 2009 م، والنظر في أجندة العمل المقترحة والاستماع إلى مقترحات الدول في هذا الصدد، حيث يمثل نطاق عمل المجموعة في التنسيق العسكري، وتبادل المعلومات، وإنشاء مركز إقليمي لمكافحة القرصنة، وتفعيل التعاون مع شركات النقل لتأمين السفن، والاستناد إلى الاتفاقيات الدولية ذات الصلة للتوصل إلى صيغ قانونية لاحتجاز ومحاكمة القراصنة، والنظر في إمكانية إنشاء محكمة دولية في هذا الشأن”[8]“.

     كما تشارك الولايات المتحدة الأمريكية في ” قوة المهام المشتركة 150 CTF ” التي تشكلت فيما سبق لحماية الأمن البحري في منطقة خليج عدن والمحيط الهندي، وأوكل إليها محاربة الإرهاب والجريمة المنظمة وتهريب المخدرات والأسلحة… وغيرها، بالإضافة إلى تسيير دوريات بحرية وجوية ضد القرصنة، إلا أن مهام هذه القوة قد تضاعفت لذا تم التفكير في إنشاء قوة جديدة هي ” قوة المهام المشتركة 151 CTF ” والتي تهتم فقط بمكافحة القرصنة”[9]“.

      وفي إطار الجهود الدولية لمكافحة ظاهرة القرصنة لا يختلف اثنان على الدور الأوربي ممثلاً في الاتحاد الأوربي الذي استصدر قراراً في 10 من نوفمبر 2008 م لإنشاء المهمة العسكرية الأوربية لمكافحة القرصنة قبالة السواحل الصومالية تحت اسم ” أتلانتا ” والتي يشارك فيها ثماني دول أوروبية هي: ألمانيا وبلجيكا، وإسبانيا، وفرنسا، واليونان، وهولندا، وبريطانيا، والسويد، حيث يكون من مهامها تأمين سفن الإغاثة وكذلك السفن التجارية، واستخدام القوة المسلحة لمنع وردع أعمال القرصنة والسطو المسلح. وقد قام الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي بإرسال سفناً إلى المنطقة بينما يقوم الأسطولان الفرنسي والأمريكي بدوريات وأرسلت روسيا أيضاً سفينة حبية إلى المنطقة. وقد وافق وزراء الدفاع الأوربيون رسمياً على عملية (يوناف فور اتالانتا) والتي تمت قبالة ساحل القرن الإفريقي كما جاء على لسان المتحدث باسم الرئاسة الفرنسية للاتحاد الأوروبي بسبب ارتفاع نسبة عمليات القرصنة 81 حسب تقارير المكتب البري الدولي، قرب منافذ البحر الأحمر الأساسية للتجارة الأوروبية حيث شكل الاتحاد الأوروبي خلية تنسيق، بحسب فرانس بارس.

أما فيما يتعلق بالجهود الأسيوية في مكافحة هذه الظاهرة نجد أن العديد من الدول الأسيوية من بينها اليابان والهند والصين قد سارعت في تكثيف عملياتها نتيجة لما تنطوي عليه ممارسات القراصنة الصوماليين من تهديدات لسلامة خطوط الملاحة وطرق النقل والتجارة الممتدة ما بين الخليج العربي ومضيق ملقا، وهي الطرق ذات الأهمية القصوى لإمداد منطقة الشرق الأقصى بالنفط والطاقة من الخليج، ولإمداد أوروبا بمختلف البضائع والسلع المصنعة آسيوياً.

     فدولة مثل الصين قد أرسلت مدمرتين وسفينة إمداد إلى خليج عدن، للإسهام في الجهود الدولية لمكافحة القرصنة وحماية السفن الصينية من هجمات القراصنة، ومن ثم فوجود الأسطول الصيني في خليج عدن وخارج المياه الإقليمية الصينية هو الأول منذ إعلان جمهورية الصين الشعبية في العام 1949 م، وفي يناير 2010 م ـمكنة الصين من المشاركة في رئاسة منظمة الوعي المشترك وفض النزاعات (شيد) وهي آلية يتم بواسطتها تنسيق جهود مكافحة القرصنة[10].

 بالرغم من تلك الجهود المبذولة لمكافحة هذه الجريمة والقضاء عليها إلا أنها تظل موجودة وحاضرة تعود وتختفي؛ وقد يرجع ذلك إلى عوامل اقتصادية يعيشها القائمون بهذه الجريمة “من سوء معيشة، وانخفاض في الدخول”، أو نتيجة لتردي في الأوضاع الأمنية في البلاد – كما هو الحال في الصومال-، وقد يرجع إلى عوامل سياسية، كأن تقوم دولة معينة بالتحريض أو دفع مبالغ لأشخاص من أجل الضغط على دولة أُخرى بهدف تحقيق مصالحها السياسية.

2 -الجهود الإقليمية لمواجهة القرصنة:

ويطرح البعض ثلاثة خيارات لمواجهة ظاهرة القرصنة يمكن عرضها على النحو التالي:

الخيار الأول- المواجهة البحرية:

وينطلق هذا الخيار من خلال بعدين الأول يتعلق بالآليات الدولية بينما ينطوي البعد الثاني على الدور الإقليمي لدول الجوار ويمكن توضيح ذلك فيما يلي:

البعد الأول – الآليات الدولية (تدويل التأمين البحري):

إن تدويل التأمين البحري في منطقة خليج عدن وباب المندب مسؤولية عربية دولية مشتركة؛ وذلك راجع أولا: إلى وجود دولتين عربيتين تقع هذه المنطقة ضمن حدودها هما اليمن وجيبوتي. وثانياً: إلى وجود قوة عسكرية دولية ليست وليدة اللحظة ولا يمكن إنكارها أو تجاهلها، حيث يرجع هذا التواجد العسكري لتلك القوى إلى عقود مضت وبالتحديد بعد الحرب العربية الإسرائيلية في العام 1973 م والتي نتج عنها تواجد عسكري أمريكي دائم في المنطقة لتأمين عدم إغلاق مضيق باب المندب، وذلك من خلال الأسطول الأمريكي السابع المرابض في مياه المحيط الهندي، وفقاً لما عرف حينها بـ “مبدأ كارتر” في العام 1976 م، والذي يسمح بالتدخل العسكري في المنطقة حال تهديد المصالح الأمريكية ومن ثم المصالح الإسرائيلية، وظهرت حين ذاك ما عرف بقوات الانتشار السريع.

إلا أن هذا التواجد العسكري الأمريكي قد ازداد بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 م، حيث قامت الولايات المتحدة بتعزيز وجودها في المنطقة بحجة حربها على (الإرهاب)، وذلك من خلال وضع قاعدة عسكرية لها في جيبوتي بجانب القاعدة العسكرية الفرنسية التي تعد أكبر قاعدة في المنطقة، ثم تمكنت من تكوين تحالف دولي بحري هناك بهدف تأمين عملية “الحرية الدائمة” (Enduring freedom)، والخاصة بمكافحة “الإرهاب” في منطقة القرن الإفريقي، بالإضافة إلى تأمين عملية ما أسمته “تحرير العراق” بحيث يمتد نطاق هذه القوات البحرية التي عرفت باسم “قوة المهام المشتركة” (Combined task force) من المناطق الواقعة جنوب البحر الأحمر، حيث المنطقة التي تمتد من سواحل إفريقيا الشرقية وحتى البحر العربي في اتجاه الهند وباكستان، وينتهي نطاقها عند المناطق التابعة للأسطول الأمريكي الخامس في البحرين”[11]“.

     109  – Adam J Young ,Mark J Valencia ; “Conflation of piracy and Terrorism in Southeast Asia” (,Augusts 2003 ,VOL 25 ,ISS2, Singapore ),p13.                                                    http;//www. proquest.umi .com/ pddlink  .

[2]– للمزيد من المعلومات يمكن الرجوع إلى: نواره مفتاح مسعود العوراني، مرجع سبق ذكره،ص ص179-185.

[3]المرجع السابق ، ص 186.

[4] – المكتب البحري الدولي : مركز مكافحة القرصنة البحرية                                             Imb.

[5]  – نبيل الخناق، مرجع سبق ذكره،ص169.

113 – Richard M ,O’Meara;op.cit,p6.

[7]  – أحمد الرشيدي ومحمد عبد المنعم،مرجع سبق ذكره،ص25.

[8] – خالد بن سلطان بن عبد العزيز، الجهود الدولية والإقليمية لمكافحة القرصنة البحرية. موسوعة مقاتل من الصحراء، شبكة المعلومات الدولية، على الرابطة: htt://www.moqatl.com/openshare/Behoth/siasia2.

[9] – خالد بن سلطان بن عبد العزيز، المرجع السابق.

[10] – رامون باتشيكو باردو، “المشهد في خليج عدن وسعي القوى العظمى لتعزيز نفوذها مكافحة القرصنة”، المجلة، 15 يناير 2014 م، على الرابطة: http://www.majalla.com.

[11]– سهام محمد عز الدين صالح جبريل، ظاهرة القرصنة على السواحل الصومال وخليج عدن “دراسة في الأبعاد والتداعيات الإقليمية والدولية”. رسالة ماجستير غير منشورة مقدمة إلى قسم السياسة والاقتصاد مركز البحوث والدراسات الإفريقية، جامعة القاهرة، 2012 م، ص ص183-184.

قد يعجبك ايضا
اترك رد

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد