التغريبة الصومالية.. تاريخ من الحرب والتهجير

هل جربت يومًا العيش على القتات والترحال من بلد لآخر وسط  نظرات الاستهجان والرفض تارة والشفقة أو الحنو تارة أخرى؟، هل شعرت بأن جزءًا من روحك قد سُلب دون أن يكُ بيدك حيلة، ترى خيالات الأهل والأصدقاء والماضي البعيد القريب محيطة لا تنفك تؤرق وجدانك، فتزيدك بكاءًا على بكاء، كانت تلك تساؤلات -أرها مشروعة- من صديق لي صومالي يعيش في القاهرة، امتزج نحيبه بكلماته دون أن يستطع التوقف، فذكرى الوطن باقية في ذهنه رغم الغربة التي امتدت لما يزيد عن العشرين عامًا.

التغريبة الصومالية.. تاريخ من الحرب والتهجير
التغريبة الصومالية.. تاريخ من الحرب والتهجير

يذكر صديقي الصومالي هويته التي أرادوا انتزاعها من قلبه انتزاعًا، فما بين طرقات الصومال الحزين –حسب وصفه-، وعتبة الأقدار، وقف وحيدًا خائفًا بعد أن تدثر طوال حياته بالعشيرة والقبيلة والإقليم، ليجد نفسه متنقلًا بين مدن أوروبية غربية وأخرى شرقية، قبل أن يحط في رحلته الأخيرة ويصل العاصمة المصرية، لتستقبله في ود ظاهريّ محاولة تخفيف آلام الهجرة القسرية والبعد عن الآل والصحب، لكنها ممزوجة بآهات بعض من العنصريين وضحكاتهم على الغريب صاحب البشرة المختلفة واللسان الذي يمزج بين العربية الفصحى والصومالية العتيدة.

بداية التغريبة، تعود إلى ما بعد سقوط نظام الرئيس السابق محمد سياد بري في العام 1991، وانتشار الفوضى والشغب في الصومال، كان “بري” ثالث رؤساء الصومال، تولى الرئاسة بانقلاب في 1969، بعد اغتيال الرئيس عبدالرشيد علي، وتبنى النظام الشيوعي الماركسي، وخاض حربًا ضد إثيوبيا لاستعادة إقليم “أوجادين” الصومالي منها لكنه فشل، حتى انتهى حكمه في 1991، بحرب أهلية وصراع مسلح مع جماعات المعارضة المسلحة.

وبعد سقوط “بري” ظهر ما يُسمى بالمحاكم الشرعية، خاضت سويًا حالة من الاستقرار والاتحاد تارة والتفرقة والتحارب تارة أخرى، حتى توحدت قبيل العام 2006 للمرة الأولى، لتشكل اتحاد المحاكم الإسلامية، والتي حاربت أمراء الحرب الصوماليين وميليشياتهم، من أجل السيطرة خاصة في منطقة مقديشو، وبالفعل حققت انتصارات عسكرية واسعة، لتسيطر على العاصمة ومن بعدها مدينة “جوهر”، كأول فصيل صومالي موحد منذ 15 عامًا.

بعد ازدياد شعبية “المحاكم” بدأ الغزو الإثيوبي للصومال برعاية أمريكية، بررته بوجود أعضاء من تنظيم القاعدة أسهموا في تفجير مقرَّي سفارتيها في كينيا وتنزانيا، يختبئون في الصومال وقبلت إثيوبيا الدور؛ لأنها رأت بذلك فرصة للتودد إلى حليفها الأمريكي، والتخلص من قلقها حيال تعريب البحر الأحمر والقرن الأفريقي، وتدخلت إثيوبيا في الخلاف الدائر بين الحكومة الانتقالية والمحاكم مع نهاية العام 2006، لتجدها المبرر الذي أدخل قواتها للصومال، فقصفت مطار العاصمة مقديشو واستولت عليها بعد الانسحاب التكتيكي من قوات المحاكم والتي تلقت وقتها دعمًا من إرتيريا، وظل الصراع، حتى أعلنت إثيوبيا في يناير 2007 استعدادها للانسحاب بقواتها من الصومال، خلال عامين، وهو ما تم في بداية 2009، وتم توقيع اتفاق لتقاسم السلطة بين مجموعة إسلامية منشقة تحت قيادة شيخ شريف شيخ أحمد هي “تحالف إعادة تحرير الصومال” ورئيس وزراء الحكومة الفيدرالية الانتقالية نور حسن في جيبوتي.

وانفصل تنظيم الشباب عن اتحاد المحاكم الإسلامية، كطريقة للاحتجاج على الاتفاق، بعد أن استطاعت المعارضة الإسلامية المعتدلة الحصول على 200 مقعد في البرلمان، وانتخب زعيم تحالف إعادة تحرير الصومال شيخ أحمد رئيسًا للحكومة الفيدرالية الانتقالية في 31 يناير 2009، من وقتها وتنظيم أو حركة الشباب الصومالي تتهم الرئيس بإنشاء حكومة انتقالية علمانية، لتستمر الحرب الأهلية في اشتعالها.

وبسبب الحرب الدائرة منذ التسعينات، هاجر مئات الألوف من الصوماليين تباعًا، خوفًا على حياتهم وهربًا من الحرب المستعرة التي أتت على الأخضر واليابس، فيما نزح مئات ألوف أخرى إلى مناطق قريبة داخل الصومال نفسها، بعيدًا عن مناطق النزاع.

في تصريحات له العام الماضي، قال محمد عبدي عفي، المبعوث الخاص للمفوضية حول وضع اللاجئين الصوماليين: “إن حالة اللجوء الصومالية التي تدخل حالياً عقدها الثالث هي من بين أكثر الأوضاع التي طال أمدها في العالم، وذلك نظراً إلى ولادة جيل ثالث من اللاجئين خارج الوطن في المخيمات. ويبلغ عدد اللاجئين الصوماليين في المنطقة المجاورة حوالي المليون شخص في مخيمات جيبوتي وكينيا وإثيوبيا وأوغندا ، بينما يبلغ عدد النازحين ضمن الصومال 1.1 مليون شخص”، تأتي الغالبية العظمى من الفارين من مناطق “باي” و”جيدو” و”جوبا الوسطى”.

أبرز مخيمات اللاجئين الصوماليين وأماكن تواجدهم حول العالم

كينيـا

وحسب إحصائيات دولية شبه رسمية صدرت في عام 2016، فإن أكبر مخيم للاجئين في العالم، يقع في شمال شرق كينيا، على بعد 100 كيلومتر من الحدود الكينية الصومالية، ويسمى بمخيم “داداب” وهو بمثابة مسكن وملجأ لأكثر من نصف مليون صومالي هارب من ويلات الحرب الأهلية المستعرة والتي لم يتوقف نذيرها حتى الآن، ورغم الدور الكبير الذي يلعبه المخيم، إلا أن أصواتًا كينية كثيرة خرجت للمطالبة بغلقه، بعد هجوم إرهابي نفذته حركة الشباب الصومالية في عام 2015، على جامعة “غاريسا” الكينية، فردد البعض وقتها أنه ربما يكون لقاطني بالمخيم تعاونًا مشتركًا مع أعضاء حركة الشباب الصومالية والتي تعتبر كينيا عدو لها، وبالفعل أصدرت الحكومة الكينية قرارا بإغلاقه، إلا أن مفوضية اللاجئين وضعت خطة عمل في اجتماع اللجنة الثلاثية المؤلفة من كينيا والصومال والمفوضية، وتوصلوا إلى اتفاق مع الحكومة الكينية لتأجيل الإغلاق.

 والجدير بالذكر أن الاهتمام الذي كان منصبًا على مخيم اللاجئين الأكبر بالعالم، قد انخفض بشدة، لدرجة أن المخيم لا تصله سوى ثلث حصته من الغذاء والأدوية، ويتعرض سكانه لأمراض وبائية مثل الكوليرا دون أن يكون هناك اهتمام حقيقي بهم.

إثيــوبيا

أفادت المفوضية السامية للاجئين أن عدد اللاجئين الصوماليين في المخيمات المقامة في المنطقة القاحلة والجافة جنوب شرق أثيوبيا تجاوز حاجز ال 170 الف ما يجعل مخيم دولو ادو ثاني مجمع للاجئين على المستوى العالمي، ويوجد حاليا 245 الف لاجئ صومالي في إثيوبيا التي تستقبل خُمس هذا العدد في مخيمي “دولو ادو” و”جيجيغا”.

اليمـن

حسب إحصائيات مفوضية اللاجئين بالأمم المتحدة فإن عدد اللاجئين الصوماليين باليمن قبيل اشتداد الأزمة اليمنية في عام 2015، وصل إلى حوالي 256,000 لاجئ، ومن أبرز المخيمات الصومالية في اليمن، مخيم “جحين” الذي يقع في الطريق العام بين محافظتي أبين وشبوه بالقرب من منطقة شقره بأبين ويبعد عن العاصمة صنعاء بحوالي 485 كيلو مترا.

المملكة البريطانية المتحدة

حسب تقديرات الأمم المتحدة في العام 2008، فقد وصل عدد الصوماليين أو البريطانيين من أصل صومالي في بريطانيا العظمى إلى 380 ألف صومالي، اندمج غالبيتهم في الحياة وشق طريقه عبر التعليم والإدارة.

ويعيش صوماليون في بلدان أوروبية وشرقية والولايات المتحدة الأمريكية ونيوزيلندا، بعضهم كلاجئين وبعضهم أراد السفر للدراسة والعمل دون حمل لقب لاجئ، ففي مصر على سبيل المثال وطبقًا لبيانات مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة فى مصر، فإن عدد الصوماليين لا يتجاوز الـ1000 صومالي.

التحويلات الصومالية وسيلة إنقاذ سريعة

لم يقف الصوماليون مكتوفي الأيدي في ظل أزمة الجفاف والمجاعات التي ضربت البلاد عقب سقوط الحكومة في التسعينات، فابتدعوا نظامًا للتواصل والدعم مع ذويهم في الصومال، وهو نظام “التحويلات المادية”، فظهرت شركات التحويلات الصومالية المعروفة بـ”hawilad”، تعتمد هذه الشركات نظامًا غير رسمي لنقل القيمة ويعمل تقريبًا في معظم دول العالم، تتم إدارته واستخدامه من قِبل صوماليين على الأغلب ويتعامل مع كلٍّ من التحويلات المرسلة أو المعاملات التجارية، ويعتبر الصومال أكبر مستقبل للتحويلات الفردية، التي لعبت دورًا حساسًا في الاقتصاد الصومالي لعقود.

ووفقًا لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP)، تتجاوز قيمة تحويلات المهاجرين كلًّا من الصادرات والمساعدات الإنسانية الدولية للصومال، كما أنها أيضًا تصل إلى قطاع أكبر من الناس. ويقدِّر البرنامج أن معظم التحويلات على مستوى الأسر تقع بين الـ 50 و200 دولار شهريًّا، كما يشير إلى أن متوسط التحويلات المالية يشكِّل 22 في المئة من دخل الأسرة في الصومال (UNDP 2012).

وفي ظل الأوضاع غير المستقرة في الصومال، فإن أعدادًا كبيرة من أبناء الوطن الصومالي مازالوا يصرخون من المعاناة التي يتكبدونها، فبعضهم يعاني ويلات الحرب، وبعضهم يعاني الجفاف وسوء التغذية وانخفاض فرص العمل، والبعض الآخر يحاول الوصول إلى الحدود والهرب من الحياة الغير آدمية التي يحياها، حتى إن أعوامًا قد تشهد كوارث إنسانية في الصومال بينما يقف العالم مكتوف الأيدي، على سبيل المثال في العام 2011، حدث ما يسمى بالمجاعة المدمرة، حيث توفي 250,000 صومالي وعبر مئات الآلاف من الأشخاص الحدود، حسب تقديرات منظمات دولية أممية في ذلك الوقت، وتأتي الصومال في المرتبة الرابعة من بين أكبر أزمات اللاجئين في العالم. ويعيش أكثر من 1.4 ملايين صومالي خارج بلادهم، لكن أوضاعهم الصحية والتعليمية والمعيشية في بعض المخيمات ليست بأحسن حال من معيشتهم قبل الهجرة من الصومال، لذا ظهرت مطالبات دولية بإعادة الاهتمام بأزمة الصوماليين حتى يتسنى لهم حياة كريمة إلى حين العودة إلى ديارهم.

بحث مقدم من الطالبة: رباب صلاح بهجت محمد عزام

دبلوم خاص- سواحيلي

كلية الدراسات العليا الإفريقية – جامعة القاهرة

للعام الدراسي 2018/ 2019

قد يعجبك ايضا
اترك رد

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد