الصومال.. الآمال والتحديات بعد الرئيس الجديد

الصومال.. الآمال والتحديات بعد الرئيس الجديد

بلاد البخور والعطور.. بلاد بونت عند المصريين القدماء، أو بلاد البربر عند الرومان، أو ذلك الحصن الإسلامي الحصين في القرن الإفريقي.. بلاد زيلع في عصور الدولة الإسلامية.. كلها تشير إلى “الصومال” بلاد الكرم والجود.. كانت أمواج شواطئها الممتدة تتراقص فرحًا في استقبال السفن وتودعها عند المغادرة محملة بالذهب والعطور والأخشاب، أما الآن فتئن شواطئها تحت وطأة سفن القراصنة وبوارج هذه الدولة أو تلك ممن تتطلع لأخذ نصيبها في ذلك البلد الذي كانت أحد مشاكله أنه ذو موقع استراتيجي في القرن الإفريقي.

الصومال الآمال والتحديات بعد الرئيس الجديد
الصومال الآمال والتحديات بعد الرئيس الجديد

ذلك التاريخ الذي يضرب بجذوره في عمق التاريخ انقلب مع دخول القرن الـ 16 إلى كابوس تئن تحت وطأته البلاد التي ظلت من وقتها حتى الآن مسرحًا ومطمعًا للقوى الاستعمارية التي تتصارع على موارده الغنية وموقعه الفريد.

ومنذ ذلك التاريخ بدأ الكابوس الصومالي، حيث أدي التنافس الاستعماري المحموم إلى تفتيت الصومال إلي خمسة مناطق، اثنتين منهم وقعتا تحت قبضة التاج البريطاني وهما إقليم غرب الصومال علي الحدود الشمالية الكينية وعرف باسم الصومال الكيني، والثانية عرفت باسم صومالي لاند، وفيما استولت فرنسا على منطقة ثالثة وهي جيبوتي، بينما أخذت إثيوبيا إقليم الأوجادين، الذي استحوذت عليه إيطاليا وعرف باسم صوماليا، لقد أصبحت الصومال ميدانًا لنزاعات وأطماع ليس فقط الدول الاستعمارية الغربية، بل ودول الجوار أيضًا حيث برزت لأثيوبيا وكينيا مطامع في الاستحواذ على مناطق وأجزاء من أراضي الصومال وضمها إلى أراضيهما.

تفاؤل وتوافق على الرئيس الجديد

بعد أكثر من عشرين عامًا من الفوضى والحروب الأهلية المريرة انتخب البرلمان الصومالي رئيسًا جديدا للبلاد، ورغم أن العملية السياسية في الصومال لم تصل إلى مرحلة النضوج التام؛ إلا أن انتخاب الرئيس الجديد لقي ترحيبا واسعا من شرائح المجتمع الصومالي جميعها، وربما يعود السبب إلى رغبة الصوماليين في التغيير والاستقرار، فضلا عن أن انتهاء الفترة الانتقالية وبداية الحكومة الدائمة فرض على الجميع هاجس الخوف من عدم الاستقرار، وعليه فإن مجيء رئيس جديد للجمهورية في بداية مرحلة الحكومة الدائمة كان سببًا للتفاؤل.

الرئيس الصومالي الجديد حسن شيخ محمود هو أكاديمي وناشط مدني وسياسي، عمل موظفاً لدى عدد من المنظمات الدولية والوطنية في مجالات السلام والتنمية، وتولى رئاسة المعهد الصومالي للتنمية الإدارية في مقديشو – جامعة سيمد حاليا – لمدة 10 سنوات، وينتمي إلى قبيلة “الهوية – أبغال” وهي إحدى القبائل الرئيسية في الصومال، ويشغل حاليا منصب رئيس حزب السلام والتنمية، وله صلات وعلاقات واسعة مع القوى الوطنية بمختلف شرائحها، ويحظى بتأييد الطبقة المتعلمة في الداخل والإسلاميين المعتدلين. وبجانب النشاط التعليمي قدم حسن شيخ محمود جهودا مضنية في مجال المصالحة الصومالية من خلال مؤسسات المجتمع المدني التي كانت تنادي بنبذ العنف واللجوء إلي الحوار، كما أن لديه خبرة كبيرة في الميدان وخاصة فيما يتعلق بمحددات الأزمة في التوفيق بين دور الدولة والقبيلة والإسلام والذي يعتبر بؤرة الأزمة السياسية الصومالية وفشلت فيها الجهود السابقة، إضافة إلى تعامله مع الحركات الإسلامية عن قرب ويحظى باحترام جميع أطيافها، كما تعامل مع مؤسسات المجتمع المدني التي تحظى بدعم الغرب، إلا أنه لم يخض تجارب سياسية سابقة، ولا يحظى بتأييد دول الجوار التي تمتلك أوراقًا أمنية وسياسية في الشأن الصومالي.

 

تحديات ومصاعب تواجه الرئيس الجديد

ورغم هذا التفاؤل والتوافق على الرئيس الجديد، ما زال الوضع الصومالي يعاني ذات العقبات التي كانت السبب الرئيس في تدهور البلاد ومعاناتها من الأزمات السياسيّة والعسكريّة والأمنيّة والاقتصادية، ومن أهمها تدخلات دول الجوار وكذلك الدول الكبرى، فضلاً عن تمرد حركة الشباب، ووجود هذه الأسباب وغيرها يؤدي إلى خضوع النظام الصومالي الجديد لابتزاز هذه الدول، خاصة أنه لا يستطيع حماية نفسه من الجماعات المتمردة وليس حماية حدود البلاد، وهو الأمر الذي يعطي قوات حفظ السلام الأفريقية ودولها دورا بارزا في تشكيل وبلورة سياسات الدولة المستقبلية.

ولذلك فإن الرئيس الجديد يواجه ضغوطا هائلة من تلك الدول، ومن الواضح أن هامش المناورة لديه قليل جدا، ويفرض عليه الواقع المرير استخدام بعض المرونة السياسية، ولكن ينبغي عليه أن يسترجع من هذه الدول ويمسك بيده بعض الملفات الحساسة كالملف الأمني؛ حيث إن وضع السياسات الأمنية لا بد وأن يخضع لرؤية وطنية خالصة؛ إضافة إلى استكمال المصالحة في المناطق الجنوبية التي تمثل الملف الأصعب الذي يواجه الحكومة الحالية، فضلا عن ما تمثله القرصنة من مخاطر وعقبات على أمن البلاد واقتصادها، فيما عليه أن يواجه التدخلات الخارجية بقدر كبير من الحنكة والحكمة حتى لا تتورط البلاد أكثر في مستنقع المؤامرات الخارجية التي لا تخدم سوى أجندات أجنبية .

 

ملف المصالحة ومواجهة الانقسامات

في عام 1969 تولى الحكم الزعيم سياد بري الذي جاء وفي جعبته حلم استقرار البلاد ووحدتها مما كلفه الكثير، حيث فشل في حروب التوحيد مما أدى إلى الإطاحة به في النهاية. فمع نواياه الحميدة تلك إلا تحرك أكثر فأكثر نحو تركيز السلطة في يد قبيلته، كما أدى اهتمام الدولة بجنوب ووسط الصومال على حساب الشمال، مع إبعاد أبناء الشمال على المناصب العليا، إلى إثارة النعرات القبلية بين الشمال والجنوب، وبعد الإطاحة بالرئيس المستبد محمد سياد بري عام 1991م، دخلت الصومال في دوامة الصراعات القبلية وتفتت إلى دويلات يحكمها أمراء الحرب. وعلى الرغم من محاولة المحاكم الإسلامية عام 2006م لإعادة توحيد الصومال، قامت بعض الفصائل القريبة منها بخوض معارك لتحرير إقليم أوجادين الذي استحوذت عليه إثيوبيا واستجلبوا بذلك الاحتلال الأثيوبي وأجهضت تجربة المحاكم الإسلامية، وبعد انسحاب الأثيوبيون انقلب عناصر المحاكم الإسلامية على بعضهم البعض وانشقوا وانضم قسم منهم إلى تنظيم حركة الشباب المجاهد، وعاد الاقتتال من جديد وكأن شيئًا لم يتغير. وفي غمار الحرب الأهلية هذه رأت الحركة الوطنية في شمال الصومال عدم انتظار الفصائل الجنوبية لتحسم أمرها، فقررت في مايو عام 1991الإنفصال وعادت إلى اسمها القديم “أرض الصومال” وعاصمتها هرجيس، ولم تنل هذه الحكومة اعترافًا دوليا. وتعد مسألة انفصال الشمال من القضايا الشائكة التي تمثل تحديًّا كبيرًا للرئيس الجديد؛ لأن الشعب الصومالي في المناطق الشمالية الغربية (أرض الصومال) مقتنع بالانفصال، كما أن أمن واستقرار هذه المناطق مرتبط بمسألة الانفصال والمحافظة عليها، لذلك يجب أن يبدأ التفاوض مع جميع أطياف الشعب وتكون هناك صيغة مرضية للتعايش بين جميع مناطق الجمهورية الصومالية حتى لا يبقى من يشتكي من الظلم والاضطهاد، وهو الأمر الذي لخصه الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود في قوله إن ” وحدة الصومال مهمة للغاية، غير أن التوحد يجب أن يكون على أساس رغبتنا، والابتعاد عن التدخل الخارجي أو الضغط الداخلي، وإن المباحثات بين أرض الصومال ودولة الصومال نرحب بها، وهي فرصة طيبة، كما أننا نحتاج إلى الالتزام بالحذر للانتهاز من الفرصة وعدم إضاعتها “.

 

حركة شباب المجاهدين وتداعيات سقوط كيسمايو

تأسست حركة شباب المجاهدين في أوائل 2004، حيث كانت الذراع العسكري لاتحاد المحاكم الإسلامية التي انهزمت أمام القوات التابعة للحكومة الصومالية المؤقتة، غير أنها انشقت عن المحاكم بعد انضمامها إلى ما يعرف بـ”تحالف المعارضة الصومالية”، ولا يعرف تحديدا عدد أفراد هذه الحركة إلا أنه عند انهيار اتحاد المحاكم الإسلامية التي خلفتها حركات إسلامية من قبيل حركة الشباب قدر عددها بين 3000 إلى 7000 عضو تقريبا. ويعتقد أن المنتمين إلى الحركة يتلقون تدريبات في إريتريا حيث يقيمون لستة أسابيع في دورة يكتسبون خلالها مهارات حرب العصابات واستخدام القنابل والمتفجرات.

ومع سقوط مدينة كيسمايو الساحلية ذات الأهمية الاستراتيجية الكبرى التي ظلت وما تزال مطمع جميع الفصائل المتناحرة في الصومال، والتي كانت تحصل الحركة من ميناءها على نحو 2 مليون دولار شهريا من تصدير الفحم، فقدت الحركة أهم مدينة كانت في قبضتها رغم تصريحات قادة حركة الشباب بأن انسحابهم من مدينة كيسمايو ليس هزيمة منيت بهم، معتبرين أنهم اتخذوا قرار الانسحاب من المدينة لصالح المجتمع ولإنقاذ أرواح السكان المدنيين، وهو ما جاء على لسان عبد الرحمن أبو حذيفة، رئيس إدارة حركة الشباب في مدينة كيسمايو.

ويعتقد بعض المحللين أن حركة الشباب تبحث عن استراتيجية جديدة لمواصلة حربها ضد الحكومة الصومالية والقوات الأفريقية الداعمة لها، خاصة مع ما ذكره عبد الرحمن أبو حذيفة من أن انسحابهم من المدينة جزئي، وأنه توجد خلايا تابعة لهم في المدينة، في إشارة إلى قدرة الحركة على شن هجمات الكر والفر وعمليات اغتيالات ضد المحسوبين على الحكومة الصومالية وحلفائها.

فيما يعتقد البعض الآخر أن الحركة تلفظ أنفاسها الأخيرة بعد أعوام من إحكامها قبضتها على جنوب البلاد ووسطه، حيث باتت الحركة تسيطر الآن على 2% من الجنوب، بعد أن فقدت سيطرتها على أغلب محافظات الصومال الـ18، ويتوقع أن تندثر الحركة بشكل كامل وتخسر كل ما تسيطر عليه قريبا، وأرجع عدد من الخبراء تراجع نفوذ الحركة، التي طالما وصفتها التقارير الإعلامية بالأكثر تنظيما وتسليحا في الصومال، إلى عدة عوامل في مقدمتها المجاعة التي ضربت الجنوب وتشدد الحركة في رفضها أي قنوات التفاوض مع الحكومة الصومالية.

ورغم أن حركة الشباب أعلنت رفضها لنتائج الانتخابات الرئاسية الصومالية ووصفتها بأنها خديعة غربية لتعزيز مصالحه الإمبريالية الاقتصادية والاستراتيجية في الصومال، كما وصفت الرئيس الجديد حسن شيخ محمود بالخائن، وهددت بمواصلة حربها لجعل الصومال دولة إسلامية، لكن يبدو أن دعوات الرئيس الجديد بالحوار وإن لم تجد آذانًا صاغية لدى قادة حركة الشباب، إلا أن إعلان انشقاق الحزب الإسلامي الذي سبق أن انضم لحركة الشباب واستعداده للتفاوض مع كل من يسعى لمصلحة الأمة الصومالية حسب ما جاء في بيانه.

ومن هنا تأتي ضرورة الحوار مع حركة الشباب، وذلك عبر منهج وفاقي تحاوري شفاف في ظل الأوضاع الداخلية في بلد يريد أهله الخروج من ويلات الحروب الأهلية التي تتتابع تترى، ذلك أن حركة الشباب، رغم انتكاساتها الأخيرة، ما زالت قادرة على اعتماد تكتيكات حرب العصابات وشن هجمات خاطفة في العاصمة وغيرها من المدن الرئيسية التي تقع تحت سيطرة الحكومة، الأمر الذي لا يصب في مصلحة الحكومة الصومالية الجديدة.

القرصنة والتمويل الخارجي

من الظلم التاريخي البَيِّن للصومال أن يُختزل تاريخه وأن يوصف شعبه بالقرصنة، لمجرد قيام عدد من أبنائه بعمليات قرصنة قبالة سواحله، وهل يقومون بذلك بدافع ذاتي أم أن هناك من يستفيد من قيامهم بمثل هذه العمليات الخارجة على القانون الدولي، وهل من يقومون بذلك فعلاً من الصوماليين؟

ويلقي البعض وزر القرصنة على الصوماليين رغم أنه لم يثبت بعد تحديد ماهية جنسيات القراصنة. وبينما يعتبرهم المتعاطفون معهم أبطالا وحراسا للحدود والمياه والحقوق، يراهم المناهضون لهم على أنهم لصوص يهددون سلامة الملاحة الدولية، وإذا نظرنا إلى الأمر بموضوعية نجد أن هذه التهم باطلة ولا أساس لها من الصحة وإنما نجد الأمر مثل “مسمار حجا” للتدخل في الشئون الداخلية للبلاد وذريعة  لإيجاد موطئ قدم للقوات الأجنبية،  لأنه من الصعب تصور أن مجموعة من الصيادين البسطاء يمكن أن يهددوا أنشطة الممرات المائية العالمية وأمن المنطقة ، إضافة إلى أن القراصنة يمارسون نشاطهم بتكتيكات حرب العصابات، كما أنه لا يمكن أن نستبعد ضلوع دول مجلس الأمن وعدد من الدول الغربية في الأمر، بغية إبقاء الوضع في الصومال على ما هو عليه ليتمكنوا من التواجد وإبراز النفوذ، ومن الواضح أن قضية القرصنة هذه مجرد ستار تختبئ خلفه  جهات خارجية لتنفيذ مآربها وتحقيق أهدافها.

وقد عملت الحكومة الصومالية على إنشاء قوة قتالية على أعلى مستويات التدريب لمواجهة عمليات القرصنة قبالة سواحل الصومال، كما اتهمت الحكومة الصومالية الملياردير “اريك برينس“، الذي تعتبره الممول الرئيسي للقراصنة الصوماليين، فضلا عن مشاركة أعضاء من المرتزقة بعد التمويلات الخارجية من شركات أمنية غامضة بالتعاون مع ضابط سابق في المخابرات المركزية.

فيما تشير بعض التقارير التي نشرتها صحيفة الجارديان البريطانية إلى أن عمليات القراصنة الصوماليين يتم إدارتها من لندن وأن جميع السفن التي تعبر بحر العرب يتم استخراج معلوماتها من قبل مستشارين في شركات بريطانية في لندن وتدار جميع العمليات في لندن مع الاستخبارات الغربية، كما أشار التقرير إلى ضلوع شركات التامين على السفن في القضية. وأكد تقرير آخر على أن الشركات البريطانية والغربية تقوم بتدريب الصوماليين على عمليات القرصنة.

التدخلات والمطامع الخارجية

ولأن القرن الإفريقي يعتبر جزءًا مهما ورأس جسر لممارسة سياسة التوسع الاستعماري الجديد في إفريقيا الجنوبية والقرن الإفريقي، ولأن الموقع الجغرافي للصومال يحدد الأهمية الاستراتيجية للقواعد العسكرية على أرض الصومال، وبواسطة هذه القواعد تتحقق إمكانية وضع مضيق باب المندب وخليج عدن تحت السيطرة، فقد سعت الدول ذات النزعة الإمبريالية إلى انتهاز الفرصة والاستفادة قدر المستطاع من موارد الصومال ومحاولة السيطرة عليها.

ومع ازدياد الاهتمام الدولي بتنمية الصومال، بسبب احتمال العثور على النفط والفرص التي يمكن أن يحققها للصومال من جهة، ولشركات الدول المعنية من جهة أخرى، وقد برز هذا الاهتمام في المؤتمر الدولي عن الصومال الذي عقِد في لندن أخيراً وتمخض عن وعود بتأمين مساعدات مالية ووسائل لازمة لتنمية البلاد ما فتح المجال لشركات الدول المعنية للاستثمار في الصومال.

ومع ذلك تتصارع أكثر من عشرين دولة، وإن كانت أمريكا أكثرهم طمعًا وتعمل بقوة وجرأة لا لتسيطر على الصومال فقط بل منطقة القرن الإفريقي والمحيط الهندي كله، الذي يعاد تقسيم النفوذ فيه من جديد فيما يبدو أنه حقبة استعمارية جديدة لكن من خلال طرق وذرائع جديدة، وأصبح التنافس الآن على أشده وإن بدا أنه تحت راية الأمم المتحدة، وأضحت القواعد العسكرية والأساطيل العسكرية وشركات الأمن الخاصة تصول وتجول بدواعي مواجهة الإرهاب والقرصنة، فيما تخطط الولايات المتحدة لمشروعها الكبير المنفرد في القرن الإفريقي. والآن تعتبر الولايات المتحدة المسيطر الفعلي علي الصومال، ليس بحكومته التي جاءت بها ولا بنفوذ إثيوبيا التي تحارب لها بالوكالة، وهي تريد الاستئثار وحدها بالصومال والمنطقة، وهي لا تريد حصاره ولا تدويله، بل أن يبقي علي هذا الحال حتى تتخلص من ورطتها في العراق وأفغانستان ثم تلتفت إليه، وأصبح لديها قواعد عسكرية كبيرة في الصومال، حيث عملت على ذلك منذ عام 1980 عندما فرضت على حكومة الصومال الضعيفة معاهدة اشترطت فيها إعطاء القوات المسلحة الأمريكية حق استخدام ميناء بربرة الصومالي وميناء ومطار مقديشو.

وإضافة إلى النفط والموقع الاستراتيجي للصومال، تأتي ثروته الهائلة من اليورانيوم، فقد كشفت أعمال التنقيب الأولي التي أجريت في سبعينات القرن العشرين بمساعدة الاتحاد السوفيتي آنذاك، تلك الاكتشافات التي أصبحت أحد أهم أسباب التهاب الوضع في الصومال، وهو محاولة احتلال مكامن اليورانيوم، وبالتالي سيتزايد الصراع حول الصومال.

ورغم السيرة الذاتية الناصعة التي يتمتع بها الرئيس الصومالي الجديد وخبرته النظرية الطويلة في جذور وأسباب النزاع الصومالي على الأقل من موقع قيادي بهذا الوزن، إلا أن المهمة الملقاة على عاتقه الآن ستكون اختبارًا دقيقًا لتطبيق تلك الخليفة الأكاديمية التي يتمتع بها في مختلف ميادين العمل، كما أن نجاح القيادة الجديدة على تجاوز تلك التحديات مرهون بالطريقة التي تديرها الحكومة الجديدة لتحقيق برنامجها السياسي، وكيف تتعامل مع الضغوط الخارجية والمتطلبات الوطنية، والاستفادة من الفرص المتاحة بعد التغيرات التي حدثت في ظل موجات الربيع العربي التي شملت العديد من الدول.

بسام عباس الحومي

باحث في قضايا التطرف والإرهاب

عوامل انهيار حركة الشباب المجاهدين في الصومال

قد يعجبك ايضا
اترك رد

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد