شرح واف لحديث لو لم تذنبوا لذهب الله بكم

شرح واف لحديث لو لم تذنبوا لذهب الله بكم

ورد حديثان التبس معناهما على بعض الناس وهما:

 

الحديث الأول: حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لو لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ، وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ
فَيَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ فَيَغْفِرُ لهمْ
رواه مسلم. رقم الحديث (7141) صحيح مسلم 8/94
الحديث الثاني: حديث أبي أيوب الأنصاري قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: لَوْلَا أنَّكُمْ تُذْنِبُونَ لَخَلَقَ اللَّهُ خَلْقًا يُذْنِبُونَ يَغْفِرُ لهمْ.
رواه مسلم أيضا رقم الحديث (7139) صحيح مسلم 8/94

شرح واف لحديث لم تذنبوا لذهب الله بكم
شرح واف لحديث لم تذنبوا لذهب الله بكم

أخطأ في فهم هذين الحديثين بعض الناس وخصوصا في هذا العصر الذي نعيش فيه وفهموا من ظاهرهذين الحديثين أنه يرخص للإنسان أن يقترف الذنوب ويرتكب المعاصي وكأنه تشجيع على ذلك، لكن ليس الأمر كذلك فمعنى الحديثين أن الله سبحانه وتعالى قضى في سابق علمه أنه لابد من وقوع الذنوب
يفهم من ظاهرهذين الحديثين أنه يرخص للإنسان أن يقترف الذنوب ويرتكب المعاصي وكأنه تشجيع على ذلك، لكن ليس الأمر كذلك فمعنى الحديثين أن الله سبحانه وتعالى قضى في سابق علمه أنه لابد من وقوع الذنوب حتى تظهر آثار مغفرته ورحمته سبحانه لأن من أسمائه التواب والغفور والعفو؛ وسبق في علمه أن الجن والإنس يذنبون.
فكل ما يفعل العبد من حسنة أو سيئة، وطاعة أو معصية، إنما هو بقضاء الله وقدره، والإيمان بذلك ركن من أركان الإيمان، ولا يتنافى هذا مع كون المخطئ يستحق اللوم والعقاب، وكذلك لا يتنافى مع كونه فاعلا مختارا، فإن الله تعالى خلق للعبد إرادة، ووهبه عقلا، وأعطاه قدرة بها يكون مكتسبا لأعماله، ومستحقا للثواب أو العقاب
فهذا لابد منه فلا يقنط المؤمن ولا ييئس، وليعلم أن الله كتب ذلك عليه، فليبادر بالتوبة والله يتوب على التائبين.
قال تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53)

وَقَالَ الطِّيبِيُّ: لَيْسَ الْحَدِيثُ تَسْلِيَةً لِلْمُنْهَمِكِينَ فِي الذُّنُوبِ، كَمَا يَتَوَهَّمُهُ أَهْلُ الْغِرَّةِ بِاللَّهِ، فَإِنَّ الْأَنْبِيَاءَ – صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ – إِنَّمَا بُعِثُوا لِيَرْدَعُوا النَّاسَ عَنْ غِشْيَانِ الذُّنُوبِ، بَلْ بَيَانٌ لِعَفْوِ اللَّهِ – تَعَالَى – وَتَجَاوُزِهِ عَنِ الْمُذْنِبِينَ لِيَرْغَبُوا فِي التَّوْبَةِ، وَالْمَعْنَى الْمُرَادُ مِنَ الْحَدِيثِ هُوَ أَنَّ اللَّهَ كَمَا أَحَبَّ أَنْ يُعْطِيَ الْمُحْسِنِينَ أَحَبَّ أَنْ يَتَجَاوَزَ عَنِ الْمُسِيئِينَ، وَقَدْ دَلَّ عَلَى ذَلِكَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَسْمَائِهِ: الْغَفَّارُ، الْحَلِيمُ، التَّوَّابُ، الْعَفُوُّ، وَلَمْ يَكُنْ لِيَجْعَلَ الْعِبَادَ شَأْنًا وَاحِدًا، كَالْمَلَائِكَةِ مَجْبُولِينَ عَلَى التَّنَزُّهِ مِنَ الذُّنُوبِ، بَلْ يَخْلُقُ فِيهِمْ مَنْ يَكُونُ بِطَبْعِهِ مَيَّالًا إِلَى الْهَوَى مُتَلَبِّسًا بِمَا يَقْتَضِيهِ، ثُمَّ يُكَلِّفُهُ التَّوَقِّي عَنْهُ، وَيُحَذِّرُهُ عَنْ مُدَانَاتِهِ، وَيُعَرِّفُهُ التَّوْبَةَ بَعْدَ الِابْتِلَاءِ، فَإِنْ وَفَّى فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ، وَإِنْ أَخْطَأَ الطَّرِيقَ فَالتَّوْبَةُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَأَرَادَ النَّبِيُّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – بِهِ أَنَّكُمْ لَوْ كُنْتُمْ مَجْبُولِينَ عَلَى مَا جُبِلَتْ عَلَيْهِ الْمَلَائِكَةَ لَجَاءَ اللَّهُ بِقَوْمٍ يَتَأَتَّى مِنْهُمُ الذَّنْبُ، فَيَتَجَلَّى عَلَيْهِمْ بِتِلْكَ الصِّفَاتِ عَلَى مُقْتَضَى الْحِكْمَةِ، فَإِنَّ الْغَفَّارَ يَسْتَدْعِي مَغْفُورًا، كَمَا أَنَّ الرَّزَّاقَ يَسْتَدْعِي مَرْزُوقًا.
وقال أيضا: وَتَصْدِيرُ الْحَدِيثِ بِالْقَسَمِ رَدٌّ لَمْ يُنْكِرْ صُدُورَ الذَّنْبِ عَنِ الْعِبَادِ وَيَعُدُّهُ نَقْصًا فِيهِمْ مُطْلَقًا، وَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يُرِدْ مِنَ الْعِبَادِ صُدُورَهُ كَالْمُعْتَزِلَةِ وَمَنْ سَلَكَ مَسْلَكَهُمْ، فَنَظَرُوا إِلَى ظَاهِرِهِ وَأَنَّهُ مَفْسَدَةٌ، وَلَمْ يَقِفُوا عَلَى سِرِّهِ أَنَّهُ مُسْتَجْلِبٌ لِلتَّوْبَةِ الَّتِي هِيَ تُوقِعُ مَحَبَّةِ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ، انتهى كلامه

لا شك أن هذين الحديثين من أحاديث الرجاء، وليس لتشجيع الناس من أجل أن يقدموا على معصية الله، ويجترئوا عليها، فإنه توجد نصوص أخرى زاجرة، وفيها الوعيد الشديد، ويوجد من الآيات ما فيه الكفاية في هذا المعنى، ولكن هذه الأحاديث حينما يُخاطَب بها من يظن أنه يستطيع أن يصل إلى مرتبة الكمال التي لا يخطئ معها، فإن هذا أمر متعذر، يقال له: هذا لا يمكن، لابد من وجود تقصير، لابد من وجود إساءة، لابدّ من وجود ذنب، ولا يستطيع الإنسان أن يشكر نعمة واحدة من نعم الله عليه حق الشكر، والناس يخطئون
والواجب على الإنسان أن يلزم حدود الله -تعالى، وإلا فما معنى التقوى التي من لوازمها أن يجعل الإنسان بينه وبين عذاب الله وقاية
هذه الأحاديث قيلت لأقوام، وأحدهم يريد أن يعتزل النساء، والثاني يريد أن لا يأكل اللحم، والثالث يريد أن يقوم ولا ينام، والرابع يريد أن يصوم ولا يفطر، هؤلاء الذين خوطبوا بهذا؛ لأنه لا يمكن للبشر أن يصلوا إلى مستوى النزاهة والطهر، والتخلي عن كل دنس وخطيئة ، لابد من وقوع التقصير
كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

 

شاهد من شرح واف للحديث

 

شرح حديث صوم يوم عرفة عند ابن عبد البر والنووي وابن حجر العسقلاني

قد يعجبك ايضا
اترك رد

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد