الأدب الصومالي …. إلي أين ؟

   الأدب الصومالي …. إلي أين ؟

يعتبر الأدب ورقة شفافة تعكس الخيال الملئ بالجمال والشعر وبحر الصراعات وأنهار الأغاني والألحان المعبرة بالإيقاعات المتأصلة في عمق التراث الذي يحتوى على لغة زاخرة بالجمل والألفاظ والمفردات والتراكيب ، كما يعبر عما يدور في أوساط الشعب وتصوراته للحياة والواقع والمستقبل والماضي وطريقة تفكيره وأحاسيسه وتعاطيه للأحداث والتغيرات التي تطرأ في محيطه .

والأدب الصومالي ليس بمنأى عن ذلك ؛ إذ يعتبر متحفا لوطن كان مدخلا لإفريقيا ، وأمة ظلت وبحقب مديدة شفهية تعتمد الكلمة في نقل الأدب والفنون والألغاز والألعاب والأساطير وسرد الأحداث ، كونه يحمل في طياته الشئ الكثير من التراث وحقائق عن الإنسان الصومالي وأصله الذي لا نجده في أروقة الكتب وبطون القصص المكتوبة ، اذ كان الصوماليون يحفظون تاريخهم وعاداتهم وأنسابهم وأيامهم عبر قوالب أدبية قاومت على المتغيرات، وبقيت ماثلة إلي يومنا هذا، والقصص المروية في بطون الشعر والحكايات الشعبية توثيق لحضارة أمة وماضي شعب ترك بصماته الواضحة في منطقته .

الأدب الصومالي إلي أين
الأدب الصومالي إلي أين

ارتبطت مسيرة الأدب في أرض الصومال على نحو وثيق بالأحداث السياسية التي فرضت نفسها في مواقيت مختلفة على مدار التاريخ، غير أن تلك التطورات المتلاحقة ألقت بظلالها، وتركت بصمتها في الحركة الشعرية، وكذلك الأدبية مما خلق عصورا أدبية متقلبة ما بين حقبة الاحتلال وأنظمة الحكم الوطني، كل بحسب مناهجه في إدارة شئون الدولة ونظرته إلي الفعل الأدبي وأهميته في عكس ثقافة المجتمع وتثقيفه ، بالإضافة إلي التعبير عن أشواقه وتطلعاته .

وهناك أربع مراحل أساسية يتفق عليها مؤرخو الأدب والباحثون في الأدب الصومالي مع الكتاب والأدباء الصوماليين ، وتعبر كل مرحلة عن المناخ الأدبي السائد، وانعكاسات الحراك الوطني بشتى ضروبه ، في الوقت نفسه يعتقد البعض بأن للخارطة الأدبية الصومالية الكثير من الخبايا التي لم يفطن لها بعض الدارسين في مؤلفاتهم،  “وذلك بحسب الدراسة التي أعدها الباحث الصومالي في مجال الأدب وأستاذ التاريخ والحضارة والثقافة الإسلامية في جامعة ماخر

أولا: مرحلة ما قبل الاستعمار :

شكلت مرحلة ما قبل الاستعمار العصر الذهبي للأدب الصومالي، حيث كان الأدب انذاك وسيلة للتخاطب الجماهيري، وشهدت تلك الفتره ازدهار شعر الألغاز والشعر القبلي أو العصبي الذي يمجد زعماء القبائل وأفرادها، والشعر الهجائي الفاحش الذي يذم الخصوم وشعر الغزل والصبابة والفخر ، وبالنظر إلي الأدب الشعبي المصاحب لهذه الحقبة التاريخية نجد الرمزية والأبعاد الأسطورية والتي تحمل دلائل تعبر عن النظرة الثاقبة لمنتجيها ومستقبليها ، نجد الكثير من الحكايات والأساطير تنسج حول الجمل والاحتفاء والتغني به في ألوان الأدب الشعبي المختلفة من شعر ونثر وأمثال وعبارات دارجة متداولة في شكل حكم، وذلك لأهميته عند الصوماليين باعتباره أنسب حيوان للرعى لقدرته على التكيف مع التغيرات البيئية وأهميته الاقتصادية والاجتماعية، ووجوده في صميم الحياة اليومية، وفي مراسم الزواج وإكرام الضيف ودفع الدية

   ثانيا: مرحلة الاستعمار  :

تجلى الشعر السياسي في هذه الفترة متزامنا مع المشاعر الساخطة على الأوضاع آنذاك ، وتوهج بروح الحماسة والنداء بالحق في الحرية والاستقلال وإجلاء المستعمر خارج البلاد، ومن أبرز شعراء هذه المرحلة الشاعر محمد عبد الله حسن الزعيم الديني ومؤسس الحركة القومية الصومالية الحديث.

ولم يتأثر الأدب الصومالي بالفنون الأدبية الحديثة آنذاك متمثلة في الرواية والمسرح بشكله المعروف والقصة القصيرة، ويمكن تفسير ذلك برفض الصوماليين للمستعمر ولكل ما جاء به  حتى لو كان ذلك ألوانا جديدة من الأدب، ومن جهة أخرى لم يحظ الأدب الصومالي باهتمام المستعمر، ويرجع ذلك إلى نظرة الإنسان الصومالي للأوروبي المخالف له في الدين، ونظرة الأوروبي للصومالي باعتباره عدوا له، خصوصا بعد مقتل الرحالة الألماني فون دير الذي طعن بحربة في مدينة بربرا شمال الصومال، والمضايقات التي لقيها الرحالة الإنجليزي ريتشارد بارتون صاحب كتاب “أول أقدام في شرق إفريقيا”

ثالثا: مرحلة الاستقلال:

حيث ألقت السعادة بالاستقلال بظلالها الوردية على ملامح الأدب الصومالي، فحولته من أدب صاخب ساخط على الأوضاع المزرية بملامح غاضبة، إلي ملامح جديدة وأساليب مبتكرة تليق بالتغني بالحرية وإعلاء قيم المساواة والإخاء والمحبة بين أبناء الوطن الواحد، ورافق ذلك مرحلة التدوين باللغة الصومالية التي تجلت عام 1972 كالخصلة البيضاء الملقاه على ثوب أسود خاطه العهد العسكري، إذ كتب في الشعر والقصة والرواية والمسرحية والدراما الإذاعية والأشعار الغنائية، وبدأ تدوين الشعر الشفهي بسلاسل شعرية، وكانت البداية لفنون كالمسرح والرواية وأشكال الإبداع الفني الأدبي الأخرى .

ولكن هذه المرحله الوردية لم تستمر في الصمود؛ إذ ساهم  العهد العسكري بشكل كبير في عوده نزعة الغضب ضد الظلم والنداء بصوت قوي على تنفيذ الوعود بالحرية والمساواة، وأفرزت هذه الحقبة أدباء يحملون لواء التغيير كالأديب محمد خضراوي المقلب بشكسبير الصومال وصاحب الدور الريادي في مجالات أدبية متنوعة، والذي اتسم شعره في مطلع السبعينيات بالنقد اللاذع للنظام قامت على إثره السلطات بإلقاء القبض عليه عام 1973 وحبسه لمدة خمس سنوات .

رابعا : مرحلة سقوط الحكومة المركزية

وفي هذه المرحلة دارت الدائرة ليعود الأدب الصومالي لنقطة البداية من التغني بالقبلية والتعصب للعرق كشاهد عيان على ما أخلفته السياسة من آثار للانشقاق والتباين الفج بين أبناء الوطن الواحد وتفسخه إلي عدة بلدان، كل منها يتنصل من إخوته ويلقي بنفسه في حضن الغرباء ممتلئا بآمال ووعود زائفة بالخلاص، وتضائلت الأشكال الأخرى كالرواية والمسرح في ظل مجتمع يعاني من الشتات والفقر والتدني في المستوي التعليمي والثقافي الذي ساهم في تدنيه وتراجعه عدم وجود جوائز مخصصة للأدب أو النشاط الثقافي ككل، وفقر في المؤسسات المعنية بالشأن الثقافي وغياب النقد الحقيقي الذي يرقى بالحركة الأدبية ويعمل على تقدمها نحو النضوج؛ إذ غلب عليه السلوك الاحتفالي بالمنتج الأدبي أين كانت ماهيته .

خامسا : المرحلة الحالية

ولوحت هذه المرحلة بأن الضائقة التي ابتلي بها الأدب الصومالي وإصابته بالتكاسل والخمول باتت في طريقها إلي التيسير، حيث ظهرت في الفترة الأخيرة بعض الإرهاصات النورانية التي تبشر بتعافي الأدب الصومالي ومحاولة نهوضه من كبوته، تتمثل في تظاهرة معرض الكتاب في هيرجيسا تحت رعاية مؤسسة “ريد سي” وانتشار هذه الظاهرة في العديد من المدن الصومالية الأخرى، وبالإضافة إلي ظهور نوادي القراءة والملتقيات الثقافية التي تشتغل عليها فئات الشباب، وتحليق الكتاب الصوماليين نحو وجهة العالمية مثل الروائي الصومالي نور الدين فرح والذي يعتبر بحسب ملحق مراجعة الكتب لصحيفة نيويورك “هو أهم كاتب روائي إفريقي ظهر خلال الخمسة وعشرين عاما الأخيرة، ويعد أهم الأصوات ذات الخصوصية في أدب الرواية الحديث” والذي فاز بجائزة نيوستادت الدولية للأدب والتي تمنحها جامعة أوكلاهوما كل عامين، وهي ثاني أعظم جائزة أدبية بعد جائزة نوبل للأدب، وقد حصل فرح على جائزته عام 1998 لرواتيه “أسرار” كما حاز من قبل ذلك على جائزة اتحاد الكتاب المتحدثين بالإنجليزية عن رواية “الحليب الحلو والمر” والتي نشرت عام 1979.

وما بين صعود وهبوط يتأرجح الأدب الصومالي عبر المراحل التاريخية المختلفة شاهدا على ما ابتلي به أهله من مرارة الاستعمار واستبداده، مرورا بالفرقة والتشتت على يد أبنائه سواء من قبل الحكومة العسكرية أو على يد الجماعات المتشددة المختلفة، وشاهدا أيضا على محاولة نهوضهم ومقاوماتهم والحفاظ على هوياتهم وأدبهم سواء كان ذلك في مراحل الاستقلال الأولى أو في الفترة الحالية.

بحث مقدم من الباحثة : أمل محمد سعيد خيري

– طالبة في مرحلة تمهيدي ماجستير- قسم اللغات الافريقية

  كلية الدراسات الإفريقية العليا– جامعة القاهرة .

 

قائمة المراجع

  1. مقال بعنوان الأدب الصومالي مسار النهضة والعودة إلى المربع الأول بقلم عبد الرحمن ادريس.
  2. مقال بعنوان الصومال أدب برائحة الإبل بقلم حسن قرني
  3. مقال بعنوان الأدب الإفريقي بقلم نور الدين فرح

دولة الصومال من حيث المعنى والموقع

قد يعجبك ايضا
اترك رد

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد